تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

من أخطر الأمراض التي يُصاب بها الإنسان في حياته الغفلة عن نفسه، والنظر لها بعين الكمال والانشغال عنها بتتبع عيوب الآخرين، والوقوع في أعراضهم وغيبتهم، ولقد توعَّدت الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة من يتتبّع عورات النّاس بالعقاب في الدنيا والآخرة، وذلك في قوله تعالى: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ)، والمقصود بالهمّاز اللمّاز هو الذي يطعن بكرامات الناس وأعراضهم، ويتحدّث عن عيوبهم حال حضورهم أو عند غيابهم.

ويبيَّن الله سبحانه وتعالى نوعيّة هذا العقاب في قوله:(كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)، وقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) فلا يظنّنّ المتتبّع لعورات الناس نفسه بمنأى عن الفضيحة، فسيفضحه الله ولو كان في جوف بيته، والبعض لا يرى عيوبه وإنما يرى عيوب الآخرين، فالإنسان مطالب بإصلاح عيوبه، وسيُسأل عنها قبل غيرها يوم القيامة، لذا يجب عليه الانشغال بنفسه، وليس بتتبع عيوب الناس والطعن فيهم، فهذا السلوك إن دل على شيء، فهو يدلّ على ضعف الإيمان والشخصية، لذا تجده دائمًا ينتقد الآخرين، ويبالغ في ذكر عيوبهم.

وبلا شك أن المغرم بنشر عيوب الناس، وتتبعها، والتنقيب عنها والتهويل في وصفها، هو إنسان مُصاب بالنقص، مريض بالحسد والحقد، يضر نفسه قبل غيره، ولقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الستر على المُخطئين والمُنحرفين مطلوب شرعًا، وأن فضحهم أمام الناس قبل محاولة إصلاحهم وتقويم سلوكهم بالحسنى ليس من أخلاقيات الإسلام، ولا من الأساليب الصحيحة للإصلاح الديني والاجتماعي، باعتبار أن أخلاقيات الإسلام التي تجسدت في أقوال الرسول وأفعاله لا تسمح لمسلم بالتجسس وتتبع عورات الناس حتى وإن كانوا يرتكبون إثمًا ما داموا مستترين به غير مُجاهرين، فقد قال رسولنا الكريم: (من ستر عورة فكأنما استحيا موءودة في قبرها)، وأشد ما اعتنى به الإسلام هو ستر العورات وتغطية السوءات.

ولا بد أن يدرك الإنسان أن الكمال لله، وأن كل شخص به عيوب، وأن من يحفظ أسرار وعورات الناس يحفظه الله ويمنع أعين الناس عنه، فمن حق المسلم على أخيه ألا يتتبع عورته، ومن واجبه عليه أن يستره ويحافظ عليه لا سيما إن كان جارًا أو صديقًا أو قريبًا؛ لأن هؤلاء أعطوه الأمان ولم يحذروه، ومن الوسائل التي دعا إليها الإسلام للمُحافظة على أسرار وعورات الناس، ما يُسمى بأدب المجالس، بمعنى لا يفشي أحد أسرار من يتحدث معهم حتى لا تحدث الغيبة والنميمة مما يوقع الناس في بعضهم بعضًا سواء بالكلام أو المشاجرات والتشابك بالأيدي.

ونحذّر في عصرنا هذا من تسخير التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة لتتبع عورات الناس وكشف سترهم، لأن تتبع عورات الآخرين بأي صورة من الصور، أمر نهى عنه الإسلام، وتوعد فاعليه، بالعقاب في الدنيا والآخرة، وما أحوجنا اليوم إلى التخلق بأخلاق رسول الإنسانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بحيث يحرص المسلم على ستر المسلم المُخطئ، والتفاني والإخلاص في تقديم النصيحة له ومساعدته وقضاء حوائجه، ذلك أن لأخوة الإسلام حقوقًا تستوجب على المسلمين أن يكونوا متعاونين ومتعاطفين ومتآلفين ومتحابين، يعين بعضهم بعضًا، ويستر بعضهم بعضًا، ويجعلون من حياتهم ينابيع بر وخير تفيض على من حولهم.

 

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر