«لغتنا الأم» تعاني عقوق أبنائها، لم أجد أفضل من هذا العنوان ليُعبّرَ عن واقع الحال الذي تعيشه اللغة العربية اليوم، فمن المؤسف، بل المُخجل، أن يتعلمَ النشء لغةً أجنبيةً، قبل أن يتعلموا لغتهم العربية السليمة، وهي لغة القرآن، بسبب حرص كثيرٍ من أولياء الأمور في وقتنا الحالي على تعليم أبنائهم بمدارس «إنترناشونال»، مع العلم بأن تعزيز دور اللغة العربية لدى الأطفال يبدأ من المدرسة، ثم بعد ذلك يأتي دور المُجتمع في تلقين وتعليم آدابها ومعانيها لدى النشء، فالحديث بها مع العائلة والأصدقاء في الحياة العامة يعلّم الطفل مخرجات اللغة السليمة، والحديث بالعربية يعتبر من أقوى وسائل تمكينها في المُجتمع والحياة العمليّة.
وفي هذا الإطار علينا الاستدلال بما أكدت عليه صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المُجتمع: «اللغة العربية هي نحن، وبدونها نغدو هجينًا بلا هُوية.. لذا لا خِيار أمامنا لحماية كياننا الوجودي سوى حماية لغتنا العربية والاعتزاز بها»، وأضافت سموها: «لا يسرُّني ما لاحظته عندما شاهدتُ وسمعتُ شبابًا عربًا من الجنسين يستخدمون اللغة الإنجليزية في التواصل اليومي، ويدَّعون بلا حياء أنهم بهذه اللغة يُعبّرون عن أنفسهم بشكل أفضل! ولعلّ أخطر ما يمكن أن تتعرّض له اللغة العربية أن يهجرَها أبناؤها وهم في بيئتهم الثقافيّة».
وفي اعتقادي أن المرحلة الابتدائية هي مرحلة تأسيس بالنسبة للطفل في سنه المبكرة التي يبدأ فيها تشكيل شخصيته وانتمائه، ولذلك فإن التركيز في هذه المرحلة ينبغي أن يكونَ على الثوابت، وأهم الثوابت في هذه المرحلة الدين واللغة العربية، أما اللغة الأجنبية فليست ثابتًا من ثوابتنا، وليس من الضروري أن يتعلمها في وقت مبكر، فنساوي بينها وبين لغته الأم ونجعل الطفل منذ الصغر مرتبطًا بلغة غير لغته، تمثل ثقافة ليست ثقافته، ما يشوّش على الطفل ويُربكه لُغويًا وعاطفيًا ويُزعزع ثقته بلغته العربية الأم.
ولا شك أن الإسراع في اتخاذ قرار بتعلم الطالب لغة غير لغته العربية في وقت مبكر – قبل أن يتقن لغته العربية نطقًا وكتابة – هو قرار غير موفق وغير رشيد، لأن آثاره على الطالب بل على الأمة العربية مدمرة، لأن هناك جيلًا عربيًا قادمًا لا يتحدث العربية ولا يفهمها، فالآباء والأمهات بحُسن نية صنعوا أبناء وبنات تائهين ضائعين يخجلون من هُويتهم ولا يملكون هُوية غيرهم لأنهم أهملوا لغتهم ولم يلتفتوا إليها.
ختامًا، إن اللغة العربية ليست مجرّد أداةٍ للتواصل، بل هي هُوية وأصالة، تُجسّد تاريخ أمة وحضارة عريقة، وما نشهده اليوم من تراجع في استخدامها يوجب علينا جميعًا أن نقفَ وقفة تأمل ومحاسبة. إن الحفاظ على لغتنا واجب وطني وديني، ومسؤولية يتقاسمها كل فرد في المجتمع بَدءًا من واضعي المناهج التربوية وصانعي القرار بالمؤسسات التعليمية والثقافية مرورًا بالآباء والأمهات، فلنبدأ من بيوتنا ومدارسنا، ولنتحدث مع أطفالنا بلغتنا الأم بكل فخرٍ واعتزازٍ، حتى تبقى العربية نبض حياتنا وصوت هُويتنا الذي لا يضيع أبدًا.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.