تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 4.00 (تقييم 1)

القناعة والرضا وجهان لعملة واحدة، فمتى كان الإنسان قنوعًا وراضيًا بما يمتلكه سواء كان قليلًا أو كثيرًا وحمد الله وشكره، ملأت السعادة قلبه وروحه، لذلك كنْ قانعًا بما عندك، وراضيًا عما أنت عليه، وانظر إلى من هو أقل منك في النعم، ومن هو أكثر منك في البلاء، وبذلك تنعم بالسعادة والهناء، فكل متع الدنيا زائلة، وسعادة الإنسان لا تحققها الوظائف المرموقة، وكثرة المال، والقصور الفاخرة، والسيارات الفارهة، بل يحقق تلك السعادة: عمل صالح، ورضا بالرزق بعد السعي والعمل الجاد، وعطف على الفقراء والمساكين.

والقناعة التي علمنا إياها ديننا الحنيف وأوصانا بها رسول الإنسانية – صلى الله عليه وسلم – تعني أن يرضى المسلم بما قسمه الله له ولو كان قليلًا، وألا يتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، وألا تمتد يده إلى ما تحت وصايته أو في متناول يده من المال العام، أو أموال الآخرين، فهذه القناعة تُجسد الشخصية السوية للمسلم، وتؤكد صدق إيمانه، وهنا يقول رسولنا الكريم موجهًا ومُعلمًا: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه»، فالغنى الحقيقي الذي يوفر للإنسان سعادته هو غنى النفس وعفتها وكرامتها.

والسعادة ليست أن تمتلك كل حاجة تشتهيها وترغب فيها، بل السعادة أن تكون قنوعًا بما رُزِقتَهُ وما تملكه على بساطته، ولا تقارن نفسك بأحد أبدًا، فالأرزاق مقسمة وليس لأحد يدٌ فيها، لذلك كن على يقين تام أنك لن تنال إلا ما كتبه الله لك وقدّره، واعلم أن المال ليس كل شيء، والسعادة ليست في الماديات، بل إنّ السعادة في القناعة، والعافية، والرضا، وتذكر دائمًا قوله صلى الله عليه وسلم: «ارضَ بما قَسَمَ اللهُ لكَ تكُنْ أغْنَى الناسِ»، فالسعادة الحقيقية أن تشعر بالرضا حول ما تملكه، سواء كان ما تملكه كثيرًا أم قليلًا، فهذا رزقك الذي حدده الله لك.

ولقد أظهر العديد من الدراسات في علم النفس الإيجابي أن الناس الذين يعيشون بقناعة هم على العموم أكثر سعادة من غيرهم، يتحلون بالمزيد من الطاقة، والمزيد من الثقة ويملكون الأفكار الإيجابية. هؤلاء الناس يتحمسون أيضًا لمساعدة الآخرين، التعاطف معهم وسهولة الغفران. هم أكثر قدرة على مقاومة الاكتئاب والقلق والشعور بالوحدة.

لذلك احرص – عزيزي القارئ – على توفير مناخ داخل بيتك يسود فيه الرضا والقناعة وكلمات الشكر والحمد على كل صغيرة وكبيرة، وعدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين، فحينما يعيش طفلك في هذا المناخ، يتعلم منه الرضا والقناعة بشكل تلقائي، ويجب أن تحرص أيضًا على تعزيز ثقته بنفسه، فكلما تمتع الطفل بمفهوم جيد نحو ذاته وقدراته، كان راضيًا عن نفسه وعن حاله، وكلما قل هذا التقدير، شعر بعدم الرضا نحو ذاته وما يمتلكه.

وتعتبر حالة الطمأنينة وغنى النفس التي تورثها القناعة دافعة إلى الأمام وليس العكس، خصوصًا أن القناعة القلبية تثمر الرضا القلبي الذي بدوره يبعث في النفس الرغبة في شكر المُنعم، والاعتياد على الامتنان لنعم الخالق، تبارك وتعالى، كما أن تنشئة الأبناء على الاستبصار بالإيجابيات، ونقاط القوة، وعميم فضل الله تعالى، دعائم لا غنى عنها في تأسيس عقلية القناعة.

وختامًا فإن تربية الأبناء على القناعة تورثهم عزة النفس، وترفعهم عن الذل والسؤال، أو بيع دينهم لعرض من الدنيا.

قال الشافعي، رحمه الله:

رأيت القناعة رأس الغنى

فصرت بأذيالها متمسك

فلا ذا يراني على بابه

ولا ذا يراني به منهمك

فصرت غنيًا بلا درهم

أمرّ على الناس شبه الملك

والله ولي التوفيق،،،

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر