تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

أصبحت بعض الأسر تعاني من ظاهرة اتكالية الأبناء، التي تُسبِّب لهم ضيقًا وحرجًا كبيرًا، فالأطفال يتعلمون الاتكاليّة كما يتعلمون أي شيء آخر، إذ تؤكّد الدراسات التربويّة أن التدليل المُبالَغ فيه للطفل في صغره، وتلبية كل رغباته بلا استثناء، وعدم تكليفه بأي مهام، تُفقده صفة الاعتماد على الذات، ويتّكل على غيره في تلبية حاجاته.

وللأسف، نجد أن الآباء والأمهات الذين يشكون من اتكالية أبنائهم، هم السبب في غرس هذا السلوك في نفوسهم دون أن ينتبهوا، وذلك من خلال تدليلهم الزائد في الصغر وتعويدهم على قضاء أبسط حاجاتهم بدلًا عنهم، ما يؤدّي إلى إحساس الابن أو الابنة بضعف الثقة بالنفس والشعور بالعجز عن القيام بأي مهمة يمكن أن يكلف بها.

من الطبيعي أن يعتمد الأطفال على الوالدين في تلبية احتياجاتهم والاهتمام بشؤونهم، ولكن من الطبيعي أيضًا أن يتناقص هذا الاعتماد، مع تقدّم الطفل بالعمر لصالح اعتماده على نفسه، بدءًا من طعامه وشرابه مرورًا بحفاظه على صحته ونظافته، ثم الاهتمام بشؤونه ووظائفه مثل دراسته وواجباته، حتى يصل في نهاية المطاف إلى مرحلة يصبح فيها لا يعتمد إلا على نفسه فقط، مع حتمية وجود من يرتكز عليه الطفل ومن واجبه العناية به.

لكن للأسف بعض الأهل يلجؤون للمبالغة في تدليل طفلهم وتلبية جميع رغباته والدفاع عنه بل حتى القيام بمهامه وواجباته الخاصّة، وهذا النوع من التربية يجعل الطفل يرى أنه لا داعي ليتعب نفسه بأي شيء فيمكنه ترك واجباته ليقوم بها ذووه بدلًا عنه وينصرف للتسلية واللعب والراحة، ويلاحظ أن الطفل الاتكالي يرى أنه غير قادر على مواجهة مصاعب ومتطلبات الحياة وحده، وبالتالي ينتظر المُساعدة دائمًا من الآخرين أو القيام بواجباته.

وبلا شك يُعدّ أسلوب تربية وتعامل الوالدين مع الطفل، أحد أهم العوامل المُشكلة لشخصيته وإكسابه صفات إيجابية أو أخرى سلبية كصفة الاتكالية، فمن الأشياء التي قرأتها ونالت إعجابي ما قالته الملكة رانيا ملكة الأردن، عندما سألتها أوبرا وينفرى إحدى أشهر مذيعات التوك شو في العالم: كيف تربي أطفالك وهم أمراء؟! فكان رد الملكة صادمًا وهي تقول: الخدم ممنوع أن يدخلوا غرف أولادي أو يرتبوها أو يغسلوا أطباقهم، وممنوع أن يطلبوا من الخدم كوب ماء أو عصير، فيجب أن يجلبوه بأنفسهم، وهم يرتبون غرفهم وألعابهم ويغسلون أطباقهم ويحضرون لأنفسهم الماء والعصائر، كذلك تمنع الألعاب أو الهدايا إلا بالعيدين فقط وأعياد ميلادهم، حتى نجاحهم بالمدرسة، غرست فيهم أنه لأنفسهم فقط وأن دراستهم شأن يخصّهم.

ما قالته الملكة رانيا في حديثها يؤكّد أن الأم تستطيع أن تُقدِّم لأبنائها أمثلةً سلوكية وتربويّة، فيها من العطاء والتواصل والأمل ما يحتاجُه الطفلُ في بداية تكوينِه، ومن خلال الدلالات والرموز الثقافيّة المتنوّعة التي تبثُّها فيه، ودورها في فترة الحياة المُبكِّرة التي تعمل على تنميط الحياة بشكل إيجابي، ما يسهم في خلق مُخططات ذهنية إيجابية لديهم، فالطفل لديه سمات فطرية وراثية يُولَد بها، ومهارات مُكتسبة من البيئة المُحيطة، التي تُعلِّمُه إيَّاها الأم في سنوات عمرِه الأولى، كالحب والتفاؤل والإيثار والعطاء وحب الخير، فإن نجحت الأم في ذلك فإنها سترسم الخطط لتربية أبنائها، وتنشط بذلك عقولهم وأرواحهم لتعلّم كل ما هو جميل في هذه الحياة، ويخطئ الآباء الذين يستخدمون دومًا أسلوب الأمر والنهي بشكلٍ حادّ ومُبالَغ فيه مع الأبناء، لأنهم ليسوا أجهزةً تتلقى الأوامر وتنفذها دون تفكير، وعلى الأم أن تكسبَهم مهارةَ تحمّل المسؤولية من خلال المُكاشفة والمُصارحة، والبُعد عن التدليل أو التخويف.

والله ولي التوفيق،،،

 

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر