إن الاحتفالَ باستضافة الدولة المونديال، الذي عمّت مظاهر الفرح به كل مكان في قطر، ليس مجرد حدث رياضي عادي نستضيفه، وإنما مُناسبة لتأكيد الولاء والانتماء للوطن، وتجديد البيعة للقيادة الرشيدة، مُناسبة نردّ فيها الوفاء لأهل الوفاء والعطاء، ولا يتأتى ذلك إلا بالعمل، وتحمل المسؤولية، والابتعاد عن الاتكالية، وشحذ الهمم، وتضافر الجهود، واستغلال الموارد على الوجه الأمثل، لنبني قطر المُستقبل بصورتها التي في مخيلة كل منا، فلنشمر عن السواعد من أجل قطر التي نريد، ف «قطر تستحق الأفضل من أبنائها».
واستضافة الدولة مثل هذا الحدث الاستثنائي تُعبّر عن قيم الولاء والانتماء للوطن، وتعمل على تحقيق رؤيته الداعية إلى الاعتزاز بالهُوية الوطنية القطرية، وتعزيز الولاء والتكاتف والوحدة، من خلال الفعاليات المُصاحبة للبطولة، والتي تشمل كل ما كانت عليه الحياة قديمًا، في نقل صورة حية عن أجواء الماضي، لتصحب زوار الدولة في رحلة عبر التاريخ، يشهدون من خلالها طريقة عيش الآباء والأجداد، بهدف الحفاظ على تراثنا.
وفي اعتقادي أن بإمكان كل شخص أن يخلصَ من موقعه لهذا الوطن العظيم، ويساهم في رفع شأنه، فالوطن ليس مجرد تراب أو أشجار، أو جبال، أو أنهار أو بحار، أو شمس أو هواء.. الوطن بأبنائه الشرفاء المُخلصين، المؤمنين بقوانينه وباحترام أنظمته، والدفاع والتضحية من أجله، فالوطن يعلو ولا يُعلى عليه، والمُقيمون على أرض هذا الوطن الغالي بإمكانهم أن يُعبّروا عن حبهم لهذا الوطن بمُناسبة استضافة الدولة المونديال العالمي، وذلك بإخلاصهم في العمل، فالانتماء للأوطان يكون بالبذل والجهد والتضحيات، والعمل على المُشاركة الإيجابية في مسيرة الحياة، وتكريس الجهود للعمل المُثمر للهدف، وتقوية الأواصر.
ولا شك أن كرة القدم، باتت في حياة الشعوب، بحجم الكرة الأرضية ونتائجها تمس كبرياء الأمة وتحولت من مجرد لعبة إلى ظاهرة سياسية واجتماعية عالمية، ومع تعاظم أهمية كرة القدم ودورها وتأثيرها وسحرها على الشعوب أصبحت واحدةً من أهم الأوراق التي تعتمد عليها الدول في إظهار القوة الناعمة، باعتبار أنها تفعل في الشعوب أكثر مما تفعله لعبة أو رياضة أخرى، وهي منذ فجر تاريخها كانت وما زالت مُرتبطةً بالكبرياء، فكبرياء كل شعب يعلو بالانتصار، وقديمًا قال خبراء الاجتماع إن كرة القدم تُعزز الكبرياء الوطني.
وتُشير المُعطيات إلى أن كرة القدم، ليست مجرد مُستديرة مصنوعة من الجلد، يتناوب اللاعبون على ركلها، ولكنها طاقة هائلة تضخ الحقيقة في شرايين الأمل، وشحنة نفسية مُلهمة تصنع ثقافة الانتصار، كرة القدم الآن، هي منظومة صناعية مُتكاملة لها أدواتها وآلياتها ومُقوماتها وإنجازاتها، عالم المُستديرة، مدرسة مُكتملة الأركان، دروس وعِبر، فوز وخسارة، مُنافسة وتفوق، تشبث بالأمل وتفاؤل رغم الأزمات والتحديات، تضحيات وإنجازات.
إن كرة القدم من أكثر الرياضات إثارة للمتعة، ليس على مستوى الشعوب العربية فقط، وإنما على مستوى شعوب العالم، كما أنها تُعد نشاطًا اقتصاديًا يُقدر حجمه بمئات المليارات، وجزءًا من القوة الناعمة للدول، وهنا لا يخفى على أحد استثمار قطر في الرياضة؛ من خلال رعايتها المُنافسات والأندية الرياضية المحلية والدولية، إذ يأتي «مونديال قطر» الذي يُقام حاليًا في قطر، على رأس استثمارات الدوحة في مجال الرياضة، إذ تبني الدولة في استراتيجيتها بنيةً تحتيةً، وملاعب على طراز عالمي، وبأحدث التقنيات؛ لكي تُثبتَ للعالم أن «الأسرة الكروية الدولية» لم تُخطئ على الإطلاق حين منحتها شرف استضافة النهائيات العالمية، وحصدت «القوة الناعمة القطرية» – ولا تزال تحصد – ثمارها على نطاق واسع؛ إذ باتت الدوحة وجهةً مُفضلةً للرياضيين؛ بما تمتلكه من مُنشآت رياضية ضخمة.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر