حصدت «القوة الناعمة القطرية» ولا تزال تحصد ثمارها على نطاق واسع؛ بعد أن أضحت الرياضة وسيلةً لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول وبناء قوتها الناعمة، وتشكيل صورتها الذهنية، إذ باتت الدوحة وجهةً مُفضّلةً للرياضيين، وهي تستضيف أكبر حدث رياضي على مستوى العالم «مونديال 2022»، ولا يخفى على أحد استثمار قطر في الرياضة؛ من خلال رعايتها المُنافسات والأندية الرياضية المحلية والدولية.
ولا شك أن اختيار الاتحاد الآسيوي لكرة القدم قطر لتكون مكان احتضان النسخة المُقبلة لكأس الأمم الآسيوية لكرة القدم 2023، بدلًا من الصين التي تخلت عن تنظيم البطولة، يدل على المكانة الكبيرة لقطر كونها عاصمةً للرياضة العالمية، وأثبتت على الدوام علو كعبها في تنظيم أفضل البطولات الرياضية حول العالم، كما أنها تمتلك بنيةً تحتيةً رياضيةً متميزةً على مستوى القارة الآسيوية والعالم أجمع، وقد أثبتت قطر أنها جاهزة في أي وقت لاحتضان أي تظاهرة عالمية، بعد نجاحها المبهر في استضافة المونديال.
وحقّق الاستثمار في مجال الرياضة قفزة كبيرة مع بداية القرن 21، وأصبحت المُناسبات الرياضية الكبرى أحد أركان صناعة الرياضة، باعتبار أن حجم الاستثمار الضخم في المجال الرياضي ينعكس على الدولة المُستضيفة للحدث الرياضي، من حيث تطوير البنية التحتية؛ فهي لا تبني الملاعب فقط، وإنما تبني شبكات طرق وشبكات مواصلات، وتطوّر في شبكة الاتصالات والإنترنت وغيرها من المُقومات المهمة.
وأصبحت الرياضة اليوم جزءًا من حُزمة من الأشياء الأخرى التي تؤثّر في صناعة استراتيجيات الدول، ولها دور في تعزيز مكانة الدول في العالم، وتلك التي تحتضن الأحداث الكبرى – مثل كأس العالم – تحصل على فوائد كبيرة، من أبرزها: أن العالم كله يهتمّ بها وبمُجتمعاتها، من خلال الحضور الإعلامي والسياسي، وتكون هناك فرصة بالنسبة لها للتعريف بنفسها وبقدراتها وإمكاناتها وبكوادرها وطاقاتها.
وترتبط الدبلوماسية الرياضية بالدبلوماسية الثقافية، ويمكن أن تؤدي إلى تقوية المبادئ السياسية وتكامل السياسات، حيث استخدمت الدول الأوروبية الدبلوماسية الرياضية لتحقيق أهداف استراتيجية من أهمها زيادة الارتباط الثقافي بين شعوب القارة الأوروبية، وتقوية الاتحاد الأوروبي، وتحقيق التكامل الاقتصادي وزيادة العلاقات التجارية، فهي ليست مجرد مباريات رياضية، لكنها مناسبات يتم فيها التعبير عن الشعوب ومواقفها، والتعبير عن الرأي العام، والتحذير من خطورة الصور النمطية على العلاقات بين الشعوب.
ويُشير الحماس الذي يظهر به الجمهور أثناء إقامة المباريات بالمونديال، إلى أن كرة القدم من أكثر الرياضات إثارة للمتعة، ليس على مستوى الشعوب العربية فقط، وإنما على مستوى شعوب العالم، فهي ليست مجرد مُستديرة مصنوعة من الجلد، يتناوب اللاعبون على ركلها، ولكنها طاقة هائلة تضخ الحقيقة في شرايين الأمل، وشحنة نفسية مُلهمة تصنع ثقافة الانتصار، كرة القدم الآن، هي منظومة صناعية مُتكاملة لها أدواتها وآلياتها ومُقوماتها وإنجازاتها، عالم المُستديرة، مدرسة مُكتملة الأركان، دروس وعِبر، فوز وخسارة، مُنافسة وتفوق، تشبث بالأمل وتفاؤل رغم الأزمات والتحديات، تضحيات وإنجازات.
ولا شك أن كرة القدم، باتت في حياة الشعوب، بحجم الكرة الأرضية ونتائجها تمس كبرياء الأمة وتحولت من مجرد لعبة إلى ظاهرة سياسية واجتماعية عالمية، ومع تعاظم أهمية دورها وتأثيرها وسحرها على الشعوب أصبحت واحدةً من أهم الأوراق التي تعتمد عليها الدول في إظهار القوة الناعمة، باعتبار أنها تفعل في الشعوب أكثر مما تفعله لعبة أو رياضة أخرى، وهي منذ فجر تاريخها كانت وما زالت مُرتبطةً بالكبرياء، فكبرياء كل شعب يعلو بالانتصار، وقديمًا قال خبراء الاجتماع إن كرة القدم تُعزّز الكبرياء الوطني.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر