بما أن رؤية «قطر 2030» الوطنيّة تهدفُ إلى بناء نظام تعليمي، يواكبُ المعايير العالمية العصرية، ويوازي أفضل النظم التعليمية في العالم، فإن تحقيق هذه الرؤية في اعتقادي يتطلبُ تبني العديد من المُبادرات والانفتاح على أنماط من التعليم المُتقدم الذي اعتمدت عليه الكثير من الدول في نهضتها ونهضة شعوبها في مجالات التنمية والإنتاج.
حسنًا فعلت وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي وهي تُدشن منصة التعلم الرقمي الجديدة «راسخ» بالتعاون والتنسيق مع مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المُجتمع، وهي منصة تعليمية جديدة عبر الإنترنت تتبع لمؤسسة قطر، مُتاحة لجميع المدارس في قطر، تهدف إلى تقديم تجربة تعليم نوعي عالي الجودة برؤية ذات طابع محلي.
وذلك عبر تمكين المدارس من الدمج بين المناهج الدراسية والمعارف والابتكارات المحلية، والقيم والتراث والهُوية الوطنية، والوقوف على تحديات الاستدامة العالمية ذات الصلة بالسياق المحلي، إضافة إلى تعزيز اللغة العربية وإبراز القيم والهُوية الوطنية ونشر المعارف المحلية، بالإضافة إلى بناء الجسور بين جميع مُجتمعات المعرفة، مع ضمان وصول الطلاب إليها في شتى المجالات، وتشجيع أعمالهم التي تعكس قيمهم وأخلاقهم وهُويتهم الوطنية، وتمكينهم من تقديم أعمالهم محليًا وعالميًا والتواصل بلغتهم الأم بكل فخر.
ومن وجهة نظري إذا كان تعزيز الهُوية الوطنية، هو مهمة مؤسسات وقطاعات مُتعددة بالدولة، فإن ثمة قطاعات بعينها لها دور أكبر، وفي مقدمة هذه القطاعات قطاع التعليم، الذي يمكنه القيام بدور كبير في مجال تعزيز الهُوية الوطنية، حيث إن التعليم معهود إليه تربية النشء وغرس القيم في عقولهم وقلوبهم منذ سنوات أعمارهم الأولى، والتعليم يقوم بدور كبير في مجال دعم القيم وتكريس الثوابت الوطنية، ومن هنا، فإن للتعليم دوره الكبير في مجال تعزيز هُويتنا الوطنية وترسيخ ثوابتها ودعائمها الأساسية.
ولا شك في أن قيام التعليم بدوره المنشود في مجال تعزيز الهُوية الوطنية، يتطلب تنفيذ أولويات عدة أساسية: أولها، التركيز على المناهج الدراسية التي تُرسي وتُعزز قيم الهُوية الوطنية وركائزها في عقول وقلوب الأطفال في المدارس الخاصة والحكومية على حد سواء، بالإضافة إلى ضرورة تطوير المناهج التعليمية بالاعتماد على أساليب أكثر جذبًا للنشء فيما يخص قيم المواطنة والهُوية الوطنية، وذلك على النحو الذي يُحصّن هذا النشء منذ الصغر ضد مخاطر فقدان الهُوية ويغرس في نفوسهم حب الوطن وعاداته وتقاليده، من خلال أدوات وأساليب غير تقليدية تتوافق مع نمط التفكير السائد لدى النشء.
ويجب ألا نتوقفَ عند مُبادرة «راسخ»، وإنما يجب تبنّي المزيد من المُبادرات التي تهدف إلى ترسيخ الهُوية الوطنية، وبناء شخصية وطنية قادرة على الحفاظ على موروث الآباء والأجداد، كما يجب إعطاء أولوية عنصر التوطين في المدارس بمراحلها المُختلفة، باعتبار أن المُعلم المواطن هو الأقدر على غرس قيمنا وهُويتنا الوطنية في نفوس الطلاب، وأيضًا تعزيز وضع «اللغة العربية» التي تُمثل جوهر هُويتنا، والتركيز على تعليم أبنائنا لغتهم الأم في المقام الأول، ثم نعلمهم لغات أخرى وليس العكس كما يحدث الآن.
وفي رأيي أن التحولات التي تشهدها الدولة اقتصاديًا وثقافيًا وانفتاحها على ثقافات خارجية مُتنوعة، تزيد من مسؤولية الجهات المعنية كافة بالحفاظ على الهُوية الوطنية، لبذل المزيد من الجهود ونشر الوعي الثقافي الخاص بالقيم الأساسية للمُجتمع القطري، وقطاع التعليم الذي يُعد من أهم هذه الجهات عليه دور كبير في هذا المجال، ولعل ما وفرته الدولة من إمكانات كبيرة لدعم قطاع التعليم يُكسبه فرصًا مُتعددة للقيام بدوره المنشود في تعزيز الهُوية الوطنية، وتقديم تجربة تعليم نوعي عالي الجودة برؤية ذات طابع محلي.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر