لا يسعني بمناسبة «يوم المعلم» الذي مرت ذكراه في الخامس من أكتوبر الجاري، إلا أن أتقدمَ بأصدق التهاني إلى كل من علمني حرفًا طوال مسيرتي التعليمية، وربما لا نستطيع أن نوفّي المُعلم حقه ببعض السطور، لكن أراني في هذه السانحة أرغب في التحدث عن ضرورة توفير بيئة العمل الجاذبة في مدارسنا ومؤسساتنا التعليميّة.
ولكي نتمكنَ من تحقيق الهدف المنشود، علينا إذن مواجهة التحديات التي تواجه المُعلم، للارتقاء بالبيئة المدرسية، حتى تصبحَ مكانًا مُحفزًا لكل من المُعلم والطالب، فهذا المحور غاية في الأهمية، وربما يتطلب جهودًا فكرية، وعقلية وتعليمية مُبتكرة، بصورة تتماشى مع العصر التكنولوجي، خصوصًا أن طلابنا اليوم، أصبحوا أكثر انفتاحًا، على العالم الخارجي، في كيفية الحصول على معلوماتهم ونمط ثقافتهم، كونهم يمتلكون العديد، من الطاقات والمهارات المُتعددة، التي تتطلب إدارة وفنًا، وتوجيه السادة المُعلمين، في مسار العملية التربوية وخلق البيئة العلمية، التي تنشط الجوانب الإبداعية لديهم.
وحتى يحدث ذلك علينا أولًا التفكير في وسائل وطرق جديدة، تؤدي إلى رفع مكانة المُعلم وشأنه في المُجتمع، مع زيادة المنح والمزايا المُقدّمة للطلاب الدارسين في كلية التربية، الأمر الذي من شأنه تحفيز وتشجيع واستقطاب الشباب للاتجاه للتدريس، خصوصًا أن الدولة بحاجة ماسة إلى الاعتماد على سواعد أبنائها، ووجود مُدرسين قطريين لتعليم النشء الثقافة والتراث وحب الوطن، سوف يُساهم بلا شك في نهضة البلاد.
وتظل قضية تقدير المُعلم وإعادة «هيبته» من أهم الركائز التي يجب توافرها لتطوير أي منظومة تعليمية، وفي اعتقادي أن المُجتمع أيضًا عليه دور يجب أن يلعبه للارتقاء بالتعليم، من خلال التوعية بأهمية وجود مُعلمين قطريين، لخدمة الوطن وتعريف النشء الثقافة والتراث والانتماء، وإدراكهم أهمية الرسالة السامية ودورها المُهم في المُجتمع، وأيضًا المدرسة يقع على عاتقها دور كبير، مُتمثل في أهمية أن يرى الطالبُ المُعلم قدوةً له من خلال شخصيته القوية وثقته بنفسه، خاصة أن ثقة المُعلم بنفسه تنعكس على أدائه، لذلك يجب أن تتكاتفَ الجهود للتوعية بأهمية وجود مُعلمين قطريين في مدارسنا.
وبنظرة سريعة وخاطفة إلى دور المُعلم في مُجتمعاتنا، سندرك ضخامة الدور الذي يقوم به وعظم المسؤولية التي تقع على كاهله، فما هذه الألوف المؤلفة من أولادنا وبناتنا وفلذات أكبادنا إلا غراس تعهّدها المُعلمُ بماء علمه، فأثمرت وفاضت علمًا ومعرفة وفضلًا، لذا أولى الناس بهذا التبجيل والإجلال هو المُعلم لأن اسمه مُشتق من العلم ومُنتزع منه، فالمُعلم يفيض ببحر علمه الغزير على الأرض القاحلة فتغدو خضراء يانعة، فهو النور الذي يضيء حياة الناس وهو عدو الجهل والقاضي عليه، وهو الذي يُنمّي العقل ويُهذّب الأخلاق، لذا وجب تكريمه واحترامه وتبجيله لأنه يحمل أسمى رسالة وهي رسالة العلم والتعليم التي حملها خاتم الأنبياء والمُرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأفضل هدية نقدمها للمُعلمين والمُعلمات بمناسبة عيدهم هي فتح الباب لتكريم المُتميزين والمُتميزات منهم ماديًا ومعنويًا، وتحقيق بيئة عمل مُحفزة بسنّ التشريعات، وتطوير سلم رواتب مُناسب لجهودهم يدفعهم للإبداع، ليس مجرد تلقين أبنائنا المعلومة، فتلك المهمة باتت عملية سهلة يمكن أن يقومَ بها جهاز إلكتروني، أما بناء الفكر والعقول وأساليب التفكير والقيم والانتماء الوطني والامتثال للحقوق والواجبات، واحترام الآخرين وتقدير حريتهم الشخصية، فهي من أبرز مسؤوليات مُعلم اليوم، الذي يحتاج من مُجتمعه تقديرًا، ومن وزارته دعمًا وتأييدًا، ومن طلابه ثقة وتبجيلًا، ومن مدرسته أمانًا وتحفيزًا، ومن زملائه تفاعلًا وتسديدًا، ومن حكومته تفهمًا وتشريعًا، فالمُعلم للشعوب هو حياتها ودليلها وعطاؤها المُتفاني.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر