تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

وردتني العديد من الرسائل تعليقًا وتعقيبًا على موضوع «مدارس بلا واجبات»، تطرّق فيها الخبراء والتربويون إلى أهمية تطبيق هذا النظام في مدارسنا، باعتبار أن التعليم الحقيقي الذي يُمكن أن نجني ثماره في المُستقبل، يعتمد على الكيف وليس الكم، فإذا نظرنا إلى التجارب العالمية الناجحة في مجال التعليم، سنجد أنها تختلف عما هو قائم أمامنا الآن، حيث تهتم الدول الغربية بإتاحة المجال للطلاب لممارسة حياتهم الاجتماعية، بعيدًا عن ضغط الواجبات الدراسية المنزلية، التي تُرهق الطلاب والأسرة معًا.

تباينت آراء الذين راسلوني حول مُستقبل التعليم بالدولة، ما بين مُتفائلٍ ينظر إلى المُستقبل بأمل كبير في تطوير المنظومة التعليمية، ومُتشائم يعتقد أن الملف التعليمي فيه الكثير من المُعاناة وبعيد كل البعد عن تحقيق رؤية قطر 2030م، فما بين هذا الرأي وذاك، هناك الكثير من الحيثيات حول مُستقبل التعليم، تؤكد معظمها على ضرورة البحث عن تجربة تعليمية ناجحة، ويمكن أخذ تجربة اليابان في عين الاعتبار، لأنها تجربة تعليمية ناجحة وجديرة بالعناية والاهتمام، حيث استطاعت اليابان أن تتقدمَ وتنافسَ الدول الكُبرى صناعيًا، لم يكن ليحدث ذلك لولا وجود مُعلمين أكْفَاء، يؤدون واجبهم على أفضل الوجوه وأحسنها، باعتبار أن أهم ما يُميز النظام التعليمي الياباني، هو التركيز على الكفاءات بصورة دقيقة.

وبتدقيق النظر في التجربة اليابانية، فإننا لا نندهش من هذا التقدم الذي يقف أمامه العالم كله مذهولًا ومندهشًا، ففي أمريكا وأوروبا وروسيا يعكف أهل العلم والتقدم والتكنولوجيا على دراسة الإنجاز الاستثنائي لهذا البلد الشرقي الذي يُنافسهم في أسلحتهم ومُخترعاتهم، كما يُثير تقدم اليابان دهشة الشرقيين وإعجابهم، فمقولة «كوكب اليابان الشقيق» التي يُرددها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ليست خيالية تمامًا، إذ يبدو ما يحدث في هذه البلاد أغرب في مثاليته إلى الخيال منه إلى الحقيقة، الأمر الذي شجع الكثير من الأسر على ابتعاث أبنائهم وبناتهم إلى بلاد الساموراي للدراسة بالجامعات اليابانية المرموقة.

وفي اعتقادي أن قضية الابتعاث للدراسة في جامعات الدول المُتطوّرة لا تختصر فقط، في الحصول على الشهادة العلمية، باعتبار أن التجربة في حد ذاتها تُشكّل نقلةً نوعيةً للطالب، تتمثل في انتقاله من بيئة إلى أخرى مُختلفة تمامًا، ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، باعتبار أن الابتعاث الخارجي فرصة جيّدة لاكتساب خبرات وتجارب ومعارف، ما كان يمكن للطالب أن يحصل عليها في بلده، حيث تهدف الخُطة الوطنية للابتعاث طويلة المدى للفترة ما بين (2016-2026) لابتعاث (21386) طالبًا أو موظفًا قطريًا في الجهات الحكومية، سواءً في الجامعات الموجودة داخل الدولة أو بالخارج في مُختلف التخصصات.

وبالعودة إلى التحديات التي تواجه تعليمنا المحلي، فإن جودة التعليم هي التحدي الذي يؤرق القائمين على أمر العملية التعليمية، لذلك يجب ألا ترسم المناهج الدراسية وزارة التربية فقط، وإنما يجب أن يُشارك في رسمها المُجتمع بأكمله، خاصة أن عصر التعليم التقليدي قد انتهى والجيل الجديد مُقبلٌ على عصر ربما لا يحتاج فيه إلى كل تلك المعلومات المُعلبة والجاهزة التي تُقدَّم له حاليًا، فالامتحانات التقليدية المُستخدمة حاليًا ليست دومًا فعالة في تقييم قدرات واستيعاب الطالب في عصر مليء بكل عناصر الإثارة التعليمية، خاصة الرقمية.

ويجب ألا يقتصرَ دور المنظومة التعليمية المُتكاملة على تحقيق الهدف التعليمي فحسب، وإنما يجب عليها أن تسعى وتجتهد في مسألة تنمية الطالب فكريًا وتربويًا أيضًا، بحيث تقومُ هذه المنظومة، بما تشمله من كوادر تدريسية، ومناهج تعليمية، وبيئة مدرسية وأساليب تربوية، بخدمة العنصر الأساسي المُتمثِّل في (الطالب)، وغرس القيم والمبادئ الإيجابية فيه، وإكسابه المعلومات والمعارف، والسلوكيَّات السليمة والمهارات، التي تُعينه في المُستقبل.

والله ولي التوفيق،،،

 

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر