لا يختلف اثنان على أن المتقاعدين، سواء من المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص، يمثلون ثروة بشرية كبيرة ومهمة، ويمكن الاستفادة منهم في كثير من نواحي الحياة، ولعلّ الاهتمام بالمتقاعدين ودمجهم في منظومة التنمية المجتمعية يكون عاملًا مهمًا لتصحيح النظرة السلبية لمرحلة التقدم في العمر، التي ينظر إليها البعض على أنها مرحلة العجز وفقدان القدرة على مواصلة العمل والنشاط؛ لذلك فإن استمرار المتقاعد في العمل والعطاء ومشاركته الإيجابية في مختلف مجالات الحياة لا يعني تأمين الجانب الاقتصادي له، فإن هذا الجانب على أهميته بالنسبة للمتقاعد يبدو أقل أهمية بالنسبة للجوانب الأخرى التي يحققها العمل والنشاط في حياته.
لذلك لابد من الإشادة بالخطوة التي اتخذتها وزارة العمل وهي تدشن الأسبوع الماضي، منصة «استمر» المعنية بتوظيف المتقاعدين القطريين الراغبين في العمل بالقطاع الخاص، انطلاقًا من التزامها باستثمار الخبرات القيمة وتعزيز تواجد الكوادر الوطنية المؤهلة في القطاع الخاص، حيث يأتي تدشين المنصة الرقمية ضمن البرنامج الوطني لتوطين الوظائف في القطاع الخاص، بهدف إتاحة الفرصة للمواطنين المتقاعدين الراغبين في العودة لسوق العمل للحصول على وظائف في مؤسسات القطاع الخاص تناسب خبراتهم، وستتيح المنصة للمواطنين المتقاعدين إمكانية التسجيل وإنشاء ملفات شخصية لهم، ما يسمح للقائمين على المنصة برصد أعداد المتقاعدين الراغبين في العودة لسوق العمل ومدى خبراتهم وتخصصاتهم لاختيار الشركات والمؤسسات التي تناسبهم ليتم التنسيق معها وتوظيفهم.
وهذه الخطوة ليست الأولى من نوعها فإذا بحثنا عن الامتيازات التي يحصل عليها المتقاعدون، سنجد أن هناك العديد من الهيئات التي أُنشِئت في الغرب للاهتمام بالمتقاعدين والاستفادة من خبراتهم؛ كهيئة الخبراء المسنين في ألمانيا التي تضم أكثر من 5000 خبير ألماني من المتقاعدين، ويعمل الخبراء مجانًا في هذه الهيئة للصالح العام. وكذلك جامعة المتقاعدين في اليابان، المُنشأة عام 1969م، والتي ينص أول شروط الانتساب إليها على أن يكون الشخص قد تجاوز سن الستين عامًا، الأمر يوضح مدى الاهتمام الذي توليه دولة اليابان للمتقاعدين باعتبارهم الثروة القومية، التي يُنظر إليها من واقع أن هذه الشريحة تتميز بعقلية كبيرة وبالكفاءة لإدارتها في تنمية المؤسسات اليابانية، التي تتميز بالكثير من المعجزات الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يقتصر الدور فقط على الاستفادة التقليدية من المتقاعدين، وذلك بتشغيل بعضهم فحسب، بل ابتكرت الشركات العملاقة التكنولوجية مثل شركة «مايكروسوفت» للمتقاعدين وكبار السن، عدة برامج مجانية لمساعدتهم لأجل الاستمرارية في العطاء من داخل منازلهم عبر الحاسوب والإنترنت؛ وذلك لتمكين شريحة أكبر من قطاع الأعمال بأمريكا من الاستفادة من خبراتهم، خاصة أن عدد من يرغب في العمل من المتقاعدين في أمريكا يزداد يومًا بعد يوم من واقع الدراسات التي تمت في هذا الشأن.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر