يحزمُ الكثيرونَ أمتعتَهم خلال عطلة عيد الفِطر المُبارك، ويغادرون البلاد للاستمتاعِ بأجواءِ وعاداتِ العيدِ في أماكنَ أخرى من العالمِ، مُعللين تلك الرغبة بتجديدِ نشاطِهم وحيويتِهم، واستعادةِ وجه الحياة بصورة إيجابيَّة، حتى يعودوا إلى بيئة العمل بعد انقضاءِ عطلة العيد، وهم أكثر استعدادًا لمُواصلة مهامِهم الوظيفية بكفاءة.
وبالرغم من ذلك تعدُ الأعيادُ داخل البلاد من مواسم البهجةِ والمرحِ والتلاقي الاجتماعي، فالأطفال هم أكثر من يبتهجون بها، حيث يرتدون الملابس الجديدة ويلهون ويمرحون، والسعادة لا تفارق وجوهَهم البريئةَ، وقد تزينت الشوارع والحدائق والفرجان والمجمعات التجارية وغيرها، لمواكبة الاحتفالات بمُناسبة العيد.
وبلا شكَّ أن العيد مناسبة عظيمة لإذابة جليد الخصومة، تستدعي التصافي والتسامح وطلب العفو من بعضِنا بعضًا، مهما كانت درجةُ الخلاف التي بيننا، علينا تناسي الخلافات في أيَّام العيد الذي نقابله ونحن أكثر إيمانًا وتقوى بعد قضاء شهر رمضان الكريم، وتكريس الالتزام بقيم الإسلام العظيمة وإشاعة المحبَّة والسلام بين الناس.
والتسامحُ والعفو هو الأساس لحياة سعيدة وجميلة خالية من النكد والكدر، وعندما يكونُ الإنسانُ متسامحًا مع الآخرين فهو حتمًا سيشعر بالسعادة وسيعيش حياته كلها بسعادة؛ لأنَّ التسامح يمد جسور المحبة والإخاء والرحمة والصفاء وتوطين العلاقات الإنسانية الحميمة وكسب محبة الآخرين وكسر الحواجز التي وضعها التكبر، باعتبار أنَّ للعيد رسالة سامية لتطهير القلب من المشاعر السلبية من بغضاء وأحقاد لتحل محلها المشاعر الإنسانية الإيجابية.
والإسلام يرغب ويرحب بكل مظهر يشيع السعادة والبهجة بين الناس، ويقوي معاني الألفة والمودة فيما بينهم، مثل تبادل الزيارات والتهاني والدعوات والمجاملات، وبذل الهدايا والأعطيات للصغار والضعفاء والمحرومين، ليشاركوا الناس فرحتهم بالعيد، وتنعمهم بالطيب من الطعام والشراب واللباس، وكل ذلك يقوي أواصر المحبة والترابط بين أفراد المجتمع، فالعيدُ في الإسلام شعيرة سامية متكاملة ومشبعة لحاجات الروح والجسد، ويأتي متوِّجًا لشعائر جليلة مما شرعه الله كأداء فريضة الصوم أو حج بيته العتيق، ولهذا حثَّ الإسلام على الاحتفاء بأيام الأعياد ومشاركة الناس في أفراحهم وبهجتهم، حتى تبدو للأعياد مكانتها المميزة عن سائر الأيام.
والعيد احتياج نفسي؛ لأنه يخرجنا من رتابة الحياة، حيث تنتظر الكثير من الأسر والعائلات من المواطنين والمقيمين في قطر، إجازة العيد المبارك، لأخذ قسط من الراحة، بعيدًا عن أعمالهم وأشغالهم، التي ظلت ترهقهم طوال العام، كونها متنفسًا جيدًا لجميع أفراد العائلة، إذ يبدأ الترتيب لها منذ اليوم الأول، بزيارة الأهل والأقارب، وقضاء أوقات خاصة وممتعة مع أفراد العائلة، خصوصًا أن هنالك الكثير من الأنشطة التي يمكن القيام بها، والعديد من الأماكن التي يمكن زيارتها لقضاء الإجازة، والاستمتاع بأوقات ممتعة مع العائلة والأصدقاء.
ولتعيشوا بهجة العيد – أعزائي القرَّاء – ابتكروا فيه لحظاتٍ لا تنسى، ازرعوا الفرحة في قلوب أبنائكم وأمهاتكم وآبائكم، ونسائكم، ورجالكم، ومن لهم حق عليكم، العيد هدية من الله لنا خصيصًا، والأحق بنا أن نعيشه بسعادة وفرح وسرور يعم أرجاء بيوتنا، انسجوا فرحة من خليط الماضي والحاضر، وأحيوا تقاليد العيد في بيوتكم بطريقة لا يمر بها العيد عاديًا يشبه باقي الأيام، وبلمسات مشرقة تبهج الصغار والكبار، أحيوا مشاعر العيد ولذته في قلوب أبنائكم كما كنا نستشعر لذته سابقًا، وكل عامٍ وأنتم بأمان وعافية تلازم أجسادكم، وخيرٍ لا يفارق أيامكم، كل عام والأمة الإسلامية بخير وسلام، أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات.
وكل عام وأنتم بألف خير.
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر