يحتاجُ شبابُنا اليوم إلى اكتساب المهارات لضمان الوظيفة، لا يعني ذلك الاستغناء عن التعليم الجامعي، وتحصيل الشهادات العلمية، وإنما يعني التركيز على أن يكونَ التعليم مُساندًا لاكتساب المهارات التي يحتاجها العمل، وهو ما يُعطي نتائج أفضل ويُحقق مصلحة جميع الأطراف، فالثقافة المُجتمعية هي عبارة عن عملية وعي جميع أفراد المُجتمع لكافة العلوم والمعرفة في مُختلف مسارات الحياة، كلما زادت قدرة الفرد ومُطالعته وحصوله على الخبرة في الحياة زادت نسبة الوعي الثقافي لديه، وأصبح عنصرًا بنّاءً في المُجتمع.
والمؤهل الحقيقي ليس فقط أن تحملَ شهادة جامعية، لكن أن تعملَ بها، وأن تتطورَ معها بالتدرج الوظيفي، فهذا هو معيار الاستفادة من الشهادة، أما أن تقف عند الحصول عليها، أو تعمل في غير مجال التخصص فهذا ما يقتل الإبداع ويُعرقل التنمية، خصوصًا في ظل التطور التكنولوجي والانفتاح الذي يشهده سوق العمل اليوم، من خلال تركيز بعض الشركات على جانب المهارات التي يمتلكها المُتقدم للوظيفة على حساب الشهادات الجامعية عند اختيار الموظفين.
وهنا يأتي دور الجامعات التي يجب أن تكونَ صرحًا علميًا يسعى إلى تقديم المعرفة للشباب بتدريبهم على اكتساب المهارات والمعرفة وربط المؤهلات المهنية مع التعليم الجامعي ضمن منهج تعليمي واحد والتحول من مفهوم الدرجات والشهادات إلى مفهوم المعرفة والتعليم العملي عن طريق التجارب والتطبيق العملي، فالمهارة ليست مُقتصرةً على العمل المؤدَّى بشكلٍ مهني فقط، بل إنَّها تشمل أيضًا الكفاءةَ التي يمتلكها أيُّ شخصٍ في أيِّ مجال، سواء كانت كفاءةً عقلية، أو بدنية، أو اجتماعية، فعلى سبيل المثال نجدُ أنَّ بعضَ الأشخاص يتميَّزُ عن غيرِه بمهاراتِ القيادة، والآخر بمهاراتِ التفكير، والثالث بمهاراتِ التعاون مع الآخرين، وغير ذلك في التمايز بين القدرات والملكات بين الأشخاص.
في عالمنا اليوم لا مكان لمن يفتقد المهارات، ولا يمتلك القدرات الإبداعية، فالأفكار الجاهزة التي اعتدنا أن نتبنّاها حتى نتكيّف مع الواقع المُجتمعي لم تعد صالحةً في عصر العولمة، والتكنولوجيا، فالنهوض بالمُجتمعات يتطلب عقولًا تُفكّر، وأخرى تبني، نحن نحتاج إلى هندسة الثقافة المُجتمعية وتهيئة مُجتمعاتنا التي اعتادت على ثقافة التلقين والاختبارات التي تقيس مهارات حفظ المنهج، إلى مُجتمعات تستثمر في مجال المعرفة، وصناعة الأفكار ونبذ التقليد، وذلك بصناعة وعي جديد يتماشى مع الحاضر.
والواقع الجديد يؤكدُ أن حصول الفرد على وظيفة أو تطوره فيها، لم يعد يرتكز فقط على المؤهلات التي اكتسبها في الجامعة بل يرتبط بـ «المهارات الشخصية» التي يتمتع بها، فكل مهارة يكتسبها الفرد هي بمنزلة «بصمة» يبحث عنها أصحاب العمل في السيرة الذاتية، فالتفوق الأكاديمي أمر عظيم بلا شك، لكن إنجاز العمل يحتاج للمهارات بشكل أكبر، وبالتالي فقد أصبح من الواجب على كل باحث عن عمل، التفكير في كيفية اكتساب مهارات شخصية بصرف النظر عن الوظيفة التي يُريد أن يتقدمَ لها.
وفي الختام.. ربما يكون المفهوم أو المصطلح الوظيفي المُتعلق بالمهارات جديدًا على ثقافة الموارد البشرية لدينا في قطر خاصة في القطاع الحكومي، فهو يعتمد في الأساس على المؤهل الجامعي دون النظر للمهارة التي يمتلكها المُتقدم، وبالتالي فمن الصعب تغيير هذا المفهوم أو التعديل عليه أو حتى إقناعها به، أما القطاع الخاص فهو الأكثر خصوبة لتطبيق هذا المفهوم في التوظيف، ولذا تعمد كثير من المؤسسات والشركات إلى استقطاب ذوي المهارات لشغل وظائفها من خلال معرفة المهارات التي يمتلكها المُتقدم بناءً على السيرة الذاتية، والتي تكون عادة من أهم مُتطلبات التوظيف في القطاع الخاص.
والله ولي التوفيق ،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر