رمضانُ فرصةٌ عظيمةٌ للتأمُّل في أخلاقياتنا وسلوكياتنا ومبادئنا، وكذلك فرصةٌ لكي نشعر بالآخرين المحرومين من مَلذات الحياة وأبسطها الطعام، وأيضًا فُرصة لنطهِّر أنفسنا من الغضب، وفرصة لنتدرّب على التسامح وعمل الخير، وكيف نُخلِص في طاعاتنا وفي عملنا، فالشهر ليس للنوم أو قضاء الوقت أمام الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي، بل للعمل الجاد والمُخلص ولتوزيع الخير على الناس.
ويرتبطُ الشهرُ الكريم في أذهان الناس بسلسلة طويلة من القيم الإنسانية والعادات السلوكية والفضائل التي تتغلغل إلى داخل النفس وتُحدِث حالة من التهذيب الروحاني وتشمل أفراد المُجتمع بنوع من الرضا، فالشهر بروحانياته أداة لتغيير السلوك وفُرصة حقيقية لإحداث نقلة نوعية في حياة أفراد المُجتمع، وهو ما يجب استثمارُه، لأن الطبيعة الإنسانية تحتاج كل فترة إلى من ينبّهها ويُضيء لها الطريق ويُصوّب لها الأخطاء.
ويُعدُّ الشهر الفضيل أيضًا فرصةً للتخلّص من العصبية الزائدة، وباعثًا قويًا على الانتظام في أداء الصلوات الخمس وفعل الخيرات، وضبط النفس والتفاعل مع المُجتمع وأفراده بشكل إيجابي، واتخاذ نمط رياضي للحفاظ على الصحة النفسية والجسدية، وغيرها الكثير من الجوانب التي تجعل النفس تلمع من الداخل، بما يبث روح الاطمئنان في نفوس أفراد المُجتمع، كما أن الصيام في حد ذاته علاج قوي وفعّال ضد الكثير من الأمراض.
لذلك يجب أن يتم التخطيط لشهر رمضان بذكاء، حتى تحدُث الاستفادة القصوى منه، عن طريق وضع خُطة إيمانية كاملة يربح من خلالها المُسلم الثواب الكبير، فإذا نجح المُسلم في استشعار قيمة الشهر فإنه سينجح في حصد الثواب العظيم والقيام بصالح الأعمال، فهو شهر تغمر فيه الرحمة قلوب المؤمنين، وتجود فيه الأيادي المحسنة بالعطاء للفقراء والمحتاجين، فإذا دخل رمضان على المسلم يجب أن يغتنمه بالصيام والقيام وتلاوة القرآن والاستغفار والدعاء، بالإضافة إلى أنه شهر الجِد والاجتهاد والجهاد،
وليس كما يظنُ البعض من الناس أنه شهر كسل ونوم وخمول، فالمتأمل للتاريخ الإسلامي يجد أن أغلب الغزوات والفتوحات الإسلامية كانَ في هذا الشهر المبارك، فمن واجب الآباء والأمهات أن يحرصوا على تذكير أولادهم بفضل هذا الشهر وما فيه من الأجر والثواب العظيم وحثهم على فعل الخير وتحفيزهم لعمل الطاعات والتنافس بينهم في ذلك، وعدم إهمالهم وتركهم خلف شاشات التلفاز والأجهزة المحمولة لتضيع أوقاتهم فيما لا يعود عليهم بالنفع.
وتأخذ عملية تعويد الأطفال على الخروج بصحبة آبائهم وذويهم في شهر رمضان المبارك لتأدية الصلاة بالمسجد، ووجودهم وسط حشد المصلين أهميةً تربويةً وسلوكية، وهدفًا حيويًا في بناء مقومات التربية الإيمانية للطفل، حيث تعزز الصلاة في المسجد الشعور الديني للأطفال، وتجعل العاداتُ والواجبات الدينية الآباءَ يتواصلون مع أبنائهم لتعليمهم التكافل الاجتماعي، والاهتمام بروحانياتهم، وذلك من مظاهر التنشئة الاجتماعية التي بالأساس تهدف إلى مجتمع خالٍ من العنف والمشاكل، كما أن الطفولة ليست مرحلة تكليفٍ إنما هي إعداد وتدريب وتعويد للوصول إلى مرحلة التكليف عند البلوغ، فيسهل على الطفل أداء الواجبات والفرائض، وتنظيم أموره في الصغر، ويعتادها لتصبح سهلة عليه وميسورة في الكِبر.
كما يجب علينا في هذه الأيام المباركة التَّركيزُ على أهميَّة تعليم الطفل الصلاة منذ سنّ مبكرة، حتى يكون مميزًا فيها، ويسعى لإرضاء والديه ومعلِّميه؛ من أجل كلمة مدح أو ثناء من أحدهم، فإذا أُمر بالصلاة تجده ينشط لتنفيذ ذلك بنفس طيبة وهمَّة عالية، فالصلاة من أحبّ وأفضل العبادات وأقربها إلى المولى، عزّ وجلّ، ففيها تتحقق صلة المخلوق بخالقه، كما أنّ لها منزلة لا تعدلها منزلة أيّة عبادة أخرى، فهي عماد الدّين الذي لا يقوم إلا بها.
والله ولي التوفيق،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر