يعدُّ الاهتمامُ المُبالغ فيه بالطعام خلال شهر رمضان، من العادات الضارَّة بالصحة في مجتمعنا، حيث تتسابق الأسر في الشراء والاستعداد لتجهيز المأكولات الرمضانية قبل بدء الشهر الفضيل بمدة لا يستهان بها، فالمائدة الرمضانية لا بدَّ أن تحتوي على أصناف المأكولات كافةً، ابتداءً من الحساء وحتى الحلوى، باعتبار أنَّ العين تشتهي الطعام خلال اللحظات القليلة التي تسبق أذان المَغرب، وبمجرد أن يبدأ الصائم بشرب العصير والحساء وتناول بعض المُقبلات، يصاب بتخمة تمنعه من تناول بقية المأكولات، فمن المعروف لدى الجميع أن نفس الصائم تشتهي وترغب في جميع المأكولات قبل الإفطار، وبمجرد أن يقبل الصائم على الطعام تزول هذه الرغبات، فالصائم غالبًا ما يأكل نصف الكَمية التي اعتاد أن يأكلها في غير أيَّام رمضان، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الطعام الفائض، لينتهي به المطافُ في سلَّة القُمامة.
وبالرغم من الهدر الذي يحدث للطعام، إلا أنَّ معظم سيدات البيوت تتباهى بموائدِها، وتحاول التفنن بأنواع مختلفة من الأطعمة والمشروبات في موائد رمضان، وتجعلها ميدانًا للتنافس مع أخريات، فقد أصبح من العادات المتوارثة، أن تتضمن موائد رمضان عدة أصناف من الطعام، فيجب أن تكون على المائدة أكلة شعبية، وأخرى عالمية، غير أطباق الحلوى والمقبلات، لنكتشف بعد إعداد الفَطور أن المائدة تحوي أصنافًا متنوعة من الطعام، تفوق عدد وحجم من يلتف حولها من الصائمين، لذلك يجب أن تكون الثقافة التوعويَّة الدينية لهذا الشهر الفضيل مسؤولية مشتركة لجميع أفراد المجتمع، فلا بد أن يتكاتف الجميع للحد من آفة الإسراف، والتي اتخذت مسارات متعددة، وتنوعت في أشكالها.
قرأت أثناء بحثي عن موضوع الإسراف في الطعام، إحصاءات وأرقامًا صادمة عن الطعام المهدر في الوطن العربي طوال أيام السنة عمومًا وفي شهر رمضان على وجه الخصوص، حيث تقول الإحصاءات: إنَّ دول الشرق الأوسط تضيع ما مقداره 1.3 مليار طن من المواد الغذائية سنويًا، أي ما يساوي تريليون دولار أمريكي، حيث إنَّ ربع هذه الكمية التي تقبع في القمامة قادرة على إطعام الفقراء والجوعى في العالم، إذ يعرف مفهوم الهدر الغذائي، بأنه كميات الأغذية التي يتم إتلافها أو التخلص منها بحيث لا تستهلك أو لا تكون صالحة للاستهلاك الآدمي على مختلف مستويات ومراحل سلسلة الإمداد الغذائي من الإنتاج وحتى الاستهلاك المنزلي، ويعتبر الهدر من منظور اقتصادي دليلًا على عدم كفاءة في نظام الإنفاق، وضياعًا للمال، حيث يمكن الاستفادة منه أو ادخاره أو استثماره وتنشيط الاقتصاد من ورائه بدلًا من صرفه على فائض سيتحول إلى عبء يخلق تكاليف أخرى على الأسر والعائلات.
والهدر من المنظور الاجتماعي يتمثل في التباهي بكميات وأنواع الأطعمة التي يتم طرحها على طاولات أو سفر الطعام هو هدر وإسراف عبر المبالغة في الإنفاق غير الضروري دون فائدة وإنما لمجرد المباهاة، خصوصًا خلال شهر الصيام، حيث إن تقارير إحصائية تشير إلى أنَّ نصف الطعام يتم التخلص منه عن طريق إلقائه في القمامة من قبل الأفراد والأسر، بما يشي أن الطعام المقدم يفوق قدرة الصائم على تناوله، وهذا ما نهى عنه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأكدت عليه الآية الكريمة: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، الأمر الذي يتطلب نشر ثقافة حفظ النعمة ومحاربة الإسراف، حيث يعول على الإعلام وتأثيره في إيصال الرسالة إلى أكبر شريحة ممكنة.
والله ولي التوفيق
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر