الصّلاة ليست مجرّدَ طقوسٍ وحركاتٍ وسكناتٍ يؤديها المسلمُ، ثم ينتهي أثرُها في حياته بمجرد الانتهاء منها، فما الهدف الذي يرتجى من طفل يقبل على الصلاة بقلب أجوف، وهو لا يدرك معناها بل لا يحقّق شروطَها أحيانًا؟! وما الفائدة التربوية التي ترتجى، حين يُدفع الطلاب في المدارس للصلاة الإجبارية دون أن تمسّ روحَهم، حتى حوّلها البعضُ منهم إلى طقس «حركي» لا يُؤخذ على محمل الجد؟!
السؤال الذي يطرح نفسَه على مجتمعاتنا اليوم، هو كيف نجعل من المدرسة والبيت المسلم مسجدًا يجسّد تعاليم الدين بكل ما فيه من خيرات وبركات؟ وكيف ندرّب أولادَنا على الصلاة في أوقاتها؟ وكيف نزرع في أولادنا حبَّ أداء الصلوات؟ لتكون هذه العبادة سببًا في تقويم السلوك، واستقامة الأبناء وتعويدهم على الالتزام، منذ نعومة أظفارِهم بما يعود عليهم، وعلى المُجتمع كله بالنفع الدنيوي والأخروي معًا؟
في البدء يجب علينا أن نعلم أولادنا مكانة الصلاة في الإسلام، وأن نتعامل نحن مع أداء الفروض على أنّها هدف حيوي في التربية الإيمانية للطفل، خاصةً أنَّ تدريب الأبناء وتعويدهم على أداء الصلوات يعتبر مدخلًا للالتزام بكل تعاليم الإسلام الأخرى، كالصّيام وقراءة القرآن وحسن الخلق واحترام الوقت والنظام، ونحو ذلك من الأحكام والآداب الإسلاميّة، التي ربما لا يسعف الوقت عند الكبر لتعليمها وتلقينها.
ولا شكَّ أن تنشئة الأبناء على حبّ الصلاة لها أكبر الأثر في حياتهم، حيث يتوقف عليها صلاح حياة المسلم واستقراره روحيًا ونفسيًا واجتماعيًا، فالصلاةُ ليست مجرد أقوال باللسان وحركات بالجوارح من دون تدبّر ولا خشوع من قلب، فالصلاة تمدّ المسلم بطاقة تعينه على مواجهة كل متاعب الحياة ومصائب الدنيا، كونها من أحبّ وأفضل العبادات وأقربها إلى المَولى، عزّ وجلّ، ففيها تتحقق صلةُ المخلوق بخالقه، كما أنّ لها منزلةً لا تعدلها منزلةُ أيّة عبادة أخرى، فهي عماد الدّين الذي لا يقوم إلا بها، وأكبر دليل على أهمية أداء الصلاة أنّها فُرضت في السماء السابعة مباشرة من الله لرسوله في ليلة الإسراء والمعراج.
نجد أن تعليم الطفل الصلاة منذ سنّ مبكرة، أمر ضروري للغاية حتى يكون مميزًا فيها، ويسعى لإرضاء والديه ومعلِّميه؛ من أجل كلمة مدح أو ثناء من أحدهما أو كليهما، فإذا أُمر بالصلاة تجده ينشط إلى تنفيذ ذلك بنفس طيبة وهمَّة عالية، وهنا يأتي دور المدرسة في التوعية والتربية الدينية السليمة للأطفال بشكل عمليّ محبّب إليهم، فعلى المدارس تخصيص المكان المُلائم الذي يتَّسع لصلاة الطلاب في المدرسة، وكذلك أماكن للوضوء تكون مهيأة وقريبة من مكان الصلاة، ثم يتم تخصيص فرصة أو استراحة خاصَّة لتأدية الصلاة، بحيث يتعلَّمُ الطُلابُ مدى قدسية هذا الفرض، ويتشجَّعون على أدائه سويًا بإشراف المعلِّمين المسؤولين، الذين يقومون بتوجيههم لكيفيَّة الوضوء الصحيح بشكل منظَّم، ثم التوجُّه لأداء الصلاة بشكل جماعي يراعي الأداء الحركي للصلاة بالشكل الصحيح.
وتأخذ عملية تعويد الأطفال على الخروج بصحبة آبائهم وذويهم لتأدية الصلاة بالمسجد، ووجودهم وسط حشد المُصلين أهميةً تربوية وسلوكية، وهدفًا حيويًا في بناء مقوّمات التربية الإيمانيّة للطفل، حيث تعزز الصلاة في المسجد الشعورَ الدينيَّ للأطفال، وتجعل العاداتُ والواجبات الدينية الآباءَ يتواصلون مع أبنائهم لتعليمهم التكافل الاجتماعي، والاهتمام بروحانياتهم، وهي من مظاهر التنشئة الاجتماعيّة التي بالأساس تهدف إلى مجتمع خالٍ من العنف والمشاكل، كما أنَّ الطفولة ليست مرحلةَ تكليف إنما إعداد وتدريب وتعويد للوصول إلى مرحلة التكليف عند البلوغ.
والله ولي التوفيق،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر