لا شك أن حسن الظن بالله من أسباب السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، فالمسلم ينبغي عليه في هذه الدنيا أن يتفاءل ويُحسن الظن بالله تبارك وتعالى، مهما واجه في حياته من مشكلات ومصاعب، عليه أن يوقن أن الله سبحانه على كل شيء قدير، وأن الأقدار لا تجري على أهوائنا، وإنما هي لحكمة يعلمها العليم الحكيم، كما أن حسن الظن بالله لا يقتصر على الأمور الشخصية فحسب، بل يشمل أيضًا أحوال المسلمين، وهموم الأمة، والأحداث الجارية، فحسن الظن يدفع الإنسان للعمل وللسعي نحو تحسين الأوضاع وانتظار الأفضل، هذا التفاؤل هو الذي يحمي الفرد كما يحمي المجتمعات كذلك من السقوط في ظلمات اليأس والإحباط.
ويدعونا ديننا الإسلامي إلى حسن الظن بالله سبحانه وتعالى، وكذلك حسن الظن بعباده من الناس، والابتعاد كل البعد عن سوء الظن بهم والشك فيهم؛ لأن السرائر والدواخل لا يعلمها إلا الله تعالى وحده، ويقول المولى عزّ وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»، فسوء الظن والشك يؤدّي إلى الخصومات والعداوات، بل تقطع الصلات بين الناس، وليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حُسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المُقلقة التي تؤذي النفس، ولهذا السبب، اهتمّ الإسلام بهذه المسألة اهتمامًا بالغًا؛ فنهى بشدة عن سوء الظن، الذي يعتبر مرضًا أخلاقيًا، ومن الخصال المذمومة والقبيحة، التي تؤدّي إلى الشك وعدم الثقة، وهو مؤشر خطير يقضي على ترابط المُجتمع وتماسكه، ومنعَ الدين الأسباب التي تورث هذا السلوك لدى الأفراد، وعلى العكس من ذلك، فإنّه مدح وأيّد بشدّة حسن الظن الذي يفضي إلى زيادة المحبّة والاعتماد المُتقابل والثقة بالطرف الآخر؛ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إنَّ اللهَ حَرَّمَ مِنَ المُسلِمِ دَمَهُ وَمالَهُ وَعرضَهُ وَأَن يظنَّ بِهِ السُّوءَ).
ويظل التفاؤل وحسن الظن بالله هو ذلك الدافع الإيجابي الذي يدفع العالِم أن يحسن أدائه، ويطرح موضوعات جديدة تجذب أسماع الناس وأفئدتهم، حسن الظن بالله هو ذلك الحماس الذي يدفع طالب العلم أن يطور من نفسه، وأن يتمكن من أدواته ومن منهجه بشكل علمي متقن، حسن الظن بالله هو ذلك التفاني الذي يدفع الأب لأن يبذل ما في وسعه ليربي ابنه على دين الله وعلى مكارم الأخلاق، ويتحمل في سبيل ذلك المشاق دون كلل، حتى ينال بره في الدنيا وحُسن الجزاء عنه في الآخرة، حسن الظن هو ذلك التسامح الذي يدفع الإنسان أن يلتمس لأخيه العذر، ويتجاوز عن الصغائر والهفوات حرصًا على صلة الأخوة، وابتغاءً لمرضاة الله تبارك وتعالى، ومن أجل هذا ينبغي علينا أن نحسن الظن بالناس، فبلادنا ولله الحمد لا زالت مليئة بالخير والإيمان والصلاح، مهما بدا من تقصير لدى البعض، إلا أن الخير في أمة الإسلام هو الغالب.
ويؤكد الإسلام ضرورة نشر الثقة وحسن الظن بين الناس، ويعتبر ذلك الخلق الرفيع من الآداب التي ترسم للمسلم صورة أخلاقية وسلوكية مثالية، وتسهم في بناء شخصيته على قيم رفيعة، حتى يحظى برضا خالقه أولاً، وثقة كل المحيطين به، والمتعاملين معه ثانيًا، ومن شأن من يفعل ذلك أن تستقيم حياته، ويؤدي رسالته على الوجه الأكمل، ويسهم بفاعلية في بناء مجتمعه ونهضته، ويواجه بقوة وصلابة كل التجاوزات الأخلاقية التي تشيع سوء الظن بين الناس.
والله ولي التوفيق ،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر