تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

خطرت على بالي فكرة كتابة مقال عن الآلام التي يتعرض لها الإنسان في حياته، بمناسبة اليوم العالمي للألم الذي تطلقه منظمة الصحة العالمية في شهر أكتوبر من كل عام، وقد ظللت أعمل طوال الفترة الماضية على جمع المعلومات التي تعينني على كتابة هذا المقال الذي بين أيديكم الآن، ومن ضمنها إحصائية الجمعية الدولية لدراسة الألم التي تشير إلى أن هناك شخصًا من ضمن كل خمسة أفراد على سطح الكوكب يعاني آلامًا متوسطة وشديدة بشكل مزمن، وإن الألم يجعل واحدًا من بين كل ثلاثة أفراد غير قادر على إدارة شؤون حياته بشكل مستقل، فضلًا عن أن هناك شخصًا من بين كل أربعة أشخاص يؤكد أن الشعور بالألم يؤدي إلى توتر علاقاته مع أفراد أسرته أو أصدقائه.

لكن الغريب في هذا الموضوع أن الدماغ يستطيع أن يأمر إشارات الألم أن تتوقف عن إرسال إشاراتها، وهذا ما تم إثباته علميًا منذ أعوام طويلة، ونشر في «دراسة الألم» في الورقة الشهيرة التي وصفت ظاهرة الألم في جرحى الحرب العالمية الثانية، وكيف أن إحساسهم بآلام جروحهم البالغة الإصابة تضاءل إلى حد الاختفاء بدون دواء عند وصول الرعاية الطبية لهم وأصبحوا في مأمن بعيدًا عن أرض القتال، الأمر الذي يعني أننا نشعر فقط بما يسمح لنا دماغنا أن نشعر به.

وأثناء بحثي عن موضوع الألم لكتابة هذا المقال، وجدت ما نشرته المجلة الطبية العالمية في عام 1995، عن حالة طبية موثقة تبين عظيم أثر الدماغ في تحديد نوع الألم وشدته، حين دخل إلى الطوارئ عامل بناء يبلغ من العمر 29 سنة في حالة يرثى لها من الألم الشديد نتيجة سقوطه على مسمار حاد طوله 15 سم واختراقه لحذائه السميك من أسفل القدم، ولم يستجب في الطوارئ لأقوى أنواع الأدوية المسكنة للألم، وبعد مجهود كبير استطاع الطبيب إخراج المسمار من أسفل حذائه بصعوبة نتيجة الآلام المبرحة التي كان يعاني منها المريض المسكين، ولكن بعد خلع الحذاء كانت المفاجأة أن المسمار مر بين الإصبع الأكبر والثاني دون إحداث أي جرح، وفي اللحظة التي أدرك العامل فيها أن المسمار لم يسبب له جرحًا، زال الألم مباشرة.. إنه عمل العقل الذي حدد الألم بناء على المعطيات التي قدمت إليه وتوفرت له، وعندما تغيّرت المعطيات توقف الدماغ عن إرسال إشارات الألم وزال الألم تمامًا.

وبحسب الدراسات العلمية التي اطلعت عليها، وجدت أن العوامل النفسية يمكن أن تؤثر بشكل بالغ في كيفية إدراك الألم، خاصةً الألم المزمن، وأحيانا الإعاقة المرتبطة بالألم؛ باعتبار أن معظم أنواع الألم تكون ذات منشأ فيزيائي، إلا أن بعض العوامل النفسية، بما في ذلك الأرق، والقلق، والاكتئاب، قد تجعل الشخص أقل قدرة في السيطرة على أعراضه، وبالتالي أقل قدرة على ممارسة نشاطاته اليومية.

وعلى سبيل المثال، يُدرك المريض الذي يعاني من ألم مزمن بأن هذا الألم سوف يعود مجددًا، ما يجعله خائفًا وقلِقًا عند توقع عودة الألم، وعندما يدرك الشخص بأن تفاقم الألم لا يشير إلى وجود ضرر في الجسم، فقد يصبح أقل قلقًا (لإدراكه مثلًا بأن ذلك لن يؤثر في قدرته على ممارسة نشاطاته ومهامه اليومية)، ما يُقلل من شعوره بالألم، وقد يشتكي الشخص في حالات نادرة من ألم مستمر، مع وجود دليل على مشاكل نفسية وبدون أي دليل على اضطرابات جسدية قد تكون مسؤولة عن ذلك الألم أو شدته.

ويعد الألم أكثر الأعراض التي يشتكي منها المرضى عندما يبحثون عن المساعدة الطبية، ففي الظروف العادية، يشير الشعور بالأوجاع إلى وجود إصابة، وبالتالي تكون ردة الفعل الطبيعية للإنسان هي حماية نفسه إلى أن يشفى ويتلاشى الألم، ولكن يختلف الناس فيما بينهم حول القدرة على الشعور بالألم، واحتماله والتفاعل معه وكيفية وصفهم لهذا الشعور وتفاعلهم مع العلاجات، في ظل وجود فوارق فردية في الشعور بالألم، تنتج غالبًا عن تفاعلات معقدة بين العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية والجينية، ومؤخرًا اكتشف العلماء الدور الرئيسي الذي يلعبه الدماغ في كيفية اختبارنا للألم، وكيف يمكن لذلك أن يمهد الطريق لتلقي العلاج المبتكر.

والله ولي التوفيق،،