ربما يتبادرُ إلى أذهان البعض سؤال في هذه الأيام، والمسلمون يستقبلون قريبًا شهر الصيام: ما السبب في تقديم إيتاء الزكاة على صوم رمضان، مع أن الزكاة لا تجب إلا على الأغنياء، بينما الصوم واجب على الجميع؟ الإجابة عن هذا السؤال بحسب العلماء والفقهاء تقول: إن الزكاة مُقدَّمة على الصيام باعتبار أنها قرينة الصلاة، وأمرها أشد من أمر الصيام؛ لأن الترتيب في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – وفي غيره «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان»، مما يدل على أن أمر الزكاة أهم من أمر الصيام، والبداءةُ بالأهم لا شك أنها أولى، فالزكاة وجوبها أعظم من وجوب الصيام كما هو معروف، وهي قرينة الصلاة.
ولا شك أن الزكاة وسيلة من وسائل الإسلام التي اتخذها لتقريب المسافة بين الأغنياء والفقراء، فالإسلام رغم اعترافه بالتفاوت الفطري في الأرزاق بين الناس؛ لكنه لم يدع الغني يزداد غنى، والفقير يزداد فقرًا، فتتسع الشقة بين الفريقين، ويصبح الأغنياء «طبقة» كتب لها أن تعيش في أبراج من العاج، ويصبح الفقراء «طبقة» كتب عليها أن تموت في أكواخ من البؤس والحرمان، بل تدخل الإسلام بتشريعاته القانونية، ووصاياه الروحية والخلقية، لتقريب المسافة بين هؤلاء وأولئك، فعمل على الحد من طغيان الأغنياء، والرفع من مستوى الفقراء.
ويحرصُ صندوق الزكاة على تقديم الاستشارات للشركات والمزكين الأفراد، إذ يقوم الباحثون الشرعيون ببيان كيفية حساب الزكاة للشركات والأفراد الراغبين في استخراج الزكاة، كما يقدم الصندوق حاسبة للزكاة مرتبطة بأسعار الذهب تُحدّث بشكل مستمر يمكن للمزكي من خلالها حساب زكاة أمواله، الذهب والفضة، الأسهم، التجارة وغيرها، كما يمكنه دفع الزكاة عبر الموقع بالتعاون مع حكومي، ويتضمن الموقع الإلكتروني للصندوق طلب خدمة التحصيل السريع إلكترونيًا، حيث يستقبل الطلب شعبة التحصيل ويتواصل المحصل مع المزكي طالب الخدمة لتحديد المكان والوقت المناسب له لتسلم مبلغ الزكاة، وتسليمه سندًا بالتسلم.
والإيمان بفريضة الزكاة ممَّا عُلِمَ من الدين بالضرورة، لتواتر أدلتها في القرآن والسُّنة، فلا يجوز إنكارها أو عدم أدائها، ولا عذر في الجهل بها، فمَنْ جحدها أو أنكرها فقد كذَّب كلامَ الله وحديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأجل ذلك فإن أولئك الذين ينادون بأنَّ الزكاة لم يعد لها موضع، لأنَّ النظم الوضعية حلت محلها ولم تعد صالحة لهذا العصر، حالهم يناقض الإسلام، فليس هناك نظام صالح يحل محل الزكاة، لأنها حكم شرعي ثابت بإجماع علماء الأمة الإسلامية بدليل القرآن والسنة، ولأهميتها في الإسلام، وعظيم شأنها، فإنَّ الله تبارك وتعالى قرنها بالصلاة في اثنتين وثمانين آية في القرآن الكريم، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن: «أعلمهم أنَّ الله تعالى افترض عليهم صدقة تُؤخَذُ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم» (رواه البخاري ومسلم وأصحاب السن).
وتتمثلُ أهمية الزكاة في أنها من محاسن الإسلام الذي جاء بالتكافل، والتراحم، والتعاطف، والتعاون بين المسلمين، وبالأمن، والرخاء لهم، فقد جعل الله الزكاة طُهرةً لصاحبها، وتنمية حسية ومعنوية له، وإعانةً من أصحابها لإخوانهم المستحقين لها، فالإسلام دين التكافل الاجتماعي، حيث يكفل للمحتاج ما يعينه على حياته من مال الزكاة، ويكفل للغني حرية التملك لماله لإتيانه الزكاة.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر