تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 4.00 (تقييم 1)

يسعى الإنسانُ للحصول على الراحة النفسية بشكلٍ دائمٍ ومُستمر، لأنَّها تضمنُ له العيش باستقرار وسعادة، وتُبعدُ عنه كل مُنغّصات الحياة والآلام والأحزان، لكن في المُقابل الحصول على هذه الراحة ليس بالأمر السهل، فمن أسباب الراحة النفسية أن يفعلَ الإنسان ما يحب وليس ما يحبه الآخرون، وأن يرضى بما كتب له، فالإحساس بالرضا من أجمل وأحسن الطرق التي تؤدي للسلام النفسي، فمن خلاله تستريحُ النفس ويرتاح البال ويهدأ القلب.

ومن الأمور التي نستمدُ منها راحتنا النفسية وراحة البال، المحافظة على العبادات والصلوات، فهي تمنحُ النفس السعادة الروحية، وتملأ القلب بالأمان والاطمئنان والسلام الداخلي والهدوء والسكينة، والتخلص من الخوف والتوتر، فالسلام النفسي يمنحُ الإنسان القوة اللازمة من أجل تخطي الصعاب التي تواجهه في حياته، سواء كان في العمل أو المنزل أو حتى في تعامله مع الآخرين، فهو يعتبر قمة الهرم الروحي للعيش بسعادة وهناء وراحة بال.

وحتى يشعرَ الفرد بالراحة النفسية عليه أن يتعرفَ على نقاط القوة والمميزات التي يتميزُ بها، وأن يكونَ حريصًا على تنمية مهاراته وقدراته باستمرار، مع اقتناعه التام بأن الكمال لله وحده، فالمقارنة تتسببُ في ولادة الشعور السلبي لديه، فحينما يقارنُ الفرد ممتلكاته أو إنجازاته أو مهاراته بممتلكات أو إنجازات أو مهارات الآخرين، يتولدُ لديه شعور أن ما يمتلكه هو الأقل من الآخرين، ما يتسببُ ذلك في ضعف ثقته بنفسه، ويجعله يشعرُ بالدونية.

ويحتاجُ كل شخص منا للراحة النفسية؛ فالشخص الفاقد للراحة النفسية ستكونُ حياته مضطربة وغير مستقرة، ويعيشُ في قلق وتخبُّط دائم، وغير قادر على العطاء والانسجام مع محيطه الإنساني، أو اتخاذ القرارات الصائبة، ويفتقد إلى الثبات الانفعالي؛ فنجده غير قادر على التحكم بانفعالاته، ويغضبُ ويثورُ لأتفه الأسباب، كما أنَّه غير قادر على التركيز في حياته، وبالتالي لن يتمكنَ من تحقيق التميز والنجاح سواء في عمله أو في حياته الشخصية.

ويلاحظ أن العالم اليوم أصبح يعطي أهمية كبرى لموضوع الصحة النفسية عمومًا، لا سيما في أماكن العمل، الأمر الذي ينعكسُ بدوره على الإنتاجية، وهناك أمثلة كثيرة في هذا المجال، فنجد دولًا مثل اليابان ودول أوروبا تعطي أهمية لهذا الموضوع، ما يعودُ بالفائدة على بيئة العمل، وقد حققت بعض الشركات العالمية مثل: آبل ومايكروسوفت وغيرها من الشركات، نجاحات باهرة نتيجة تهيئة بيئة عمل مميزة للعاملين، تراعي فيها كافة جوانب حياتهم الصحية والاجتماعية، ومن أبرزها الاهتمام بالصحة النفسية، حيث يقومون برصد حالات الاكتئاب بين العاملين، ويبادرون بمعالجة تلك الحالات في وقت مبكر، ليس فقط من أجل صحة العاملين وسلامتهم بل من أجل حصول أرباب العمل على مستوى أعلى في الإنتاجية، وتحقيق مكاسب كبيرة لمؤسساتهم، وتقليل الخسائر التي تُقدرُ بمليارات الدولارات سنويًا.

وفي اعتقادي أن الإحساس بالعطاء من أجمل وأحسن الطرق التي تؤدي للسلام النفسي، فمن خلال البذل والتضحية تستريحُ النفس ويرتاح البال ويهدأ القلب، وما من شكّ أن أي كائن بشري سوي ومُعافى في عقليته وتربيته وسلوكه الاجتماعي يبحث عن السعادة والطمأنينة والراحة النفسية، بل تزدهرُ حياة الإنسان حينما يعم السلام النفسي أجواءها، فالرضا والقناعة والإيمان أهم سبل الراحة النفسية، لكن أغلب البشر لا يدركون، لهذا يفتقدُ الكثير من الناس شعور الطمأنينة، على الرغم من حاجتنا جميعًا إليه، فهو غاية حياتية لا غنى عنها لكي يتوازنَ الإنسان وينسجمَ مع نفسه ومع غيره، فالشعور بالراحة النفسية والسكينة وراحة البال من أعلى المراتب الروحية التي تجعلُ الإنسان متصالحًا مع نفسه ومع المُحيطين من حوله.

والله ولي التوفيق،،،

 

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر