هناكَ أخطاء يرتكبُها الصائمون خلال شهرِ رمضانَ المُباركِ، مثل الجهل بكثير من أحكام الصيام فيكتفون بالتقليد دون تعلم، وأيضًا العصبية الزائدة وسوء الخلق، كما يقول الرسول الكريم: (الصوم جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم)، كما أنَّ بعض الناس يتخذون رمضان فرصة للكسل، والمبالغة في تناول الأطعمة، والإقبال على العبادة في رمضان وتركها فيما سواه.
في حين أن البعض يستاء بالأساس من دخول الشهر الكريم ويفرح بخروجه، كما أن بعض الناس قد يصوم ولا يصلي أو يصلي في رمضان فقط، ومن العادات السيئة أيضًا السهر إلى قرب الفجر في المجالس والمقاهي وغيرها وتفويت العبادات، وكذلك السرعة في أداء التراويح ما يؤدِّي إلى الخلل في أركانها وإخراجها عن جوهرها الصحيح، فالعبادات التي يؤديها المسلم في رمضان من صوم وصلاة وصدقات مفروضة وتطوعية لا تشفع للصائم تقصيره في أداء عمله، ومن يعتقد أو يفهم غير ذلك، فهو لا يدرك المقاصد الشرعية والأهداف السامية للعبادات، خاصة الصوم، فهو ليس مجرد طقوس يؤديها المسلم.
هناك فروق بسيطة فاصلة بين «الصوم المقبول» و«الصوم الشكلي» الخالي من روحانية تلك العبادة التي أرادها الخالق سبحانه وتعالى لتعميق التقوى في قلوب الصائمين، باعتبار أن هذا الشهر الفضيل لا يتوقف عطاؤُه على ثمار الصوم فقط؛ بل له عطاءات متعددة ومتنوعة ينبغي الحرص عليها لأنها تضاعف أجر وثواب الصوم، فلا معنى لصوم بدون صلاة، ولا يتكامل أجر العبادتَين دون الوفاء بأجر الزكاة والصدقات التطوعية، ويضاف لكل هذه العطاءات أجر وثواب مدارسة القرآن والاعتكاف متى سمحت ظروف المسلم بذلك، وإحياء العشر الأواخر من رمضان، كل هذه العبادات ينبغي أن تكون في خريطة كل مسلم.
ولا شكَّ أن العبادة والطاعة في فلسفة الإسلام ليس لهما مواسم ومناسبات تؤدَّيان فيهما ثم تهملان بعد ذلك، فالمسلم في عبادة وطاعة لله في كل لحظة، لكن اختص الله بعض الأيام ليكون أجر العبادة والطاعة فيها مضاعفًا، ومن هذه الأيام شهر رمضان المبارك، الذي يجب الاحتفاءُ به، لأنَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، احتفى به، وخصّه ببعض العبادات مثل الاعتكاف والتراويح، وحثَّ فيه على طاعات أخرى مثل قراءة القرآن ومدارسته، لأنَّه الشهر الذي كرمه الله بنزوله فيه، ولذلك نحث المسلمين جميعًا على أداء عبادات الإسلام على الوجه الأكمل في هذه الأيام المباركة في شهر العبادة والطاعة والتواصل الإنسانيّ والاجتماعيّ.
السؤال الذي يطرح نفسَه هل الهدف من الصيام هو تحصيل التقوى، كما أخبرنا القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»… وقوله عز وجل: «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى»، فإذا كانت الإجابة نعم فإنَّ هذه التقوى هي التي تدفع المسلم إلى أن يقوم بواجباته، ويؤدي عمله على الوجه الأكمل، والتقوى التي هي هدف الصوم ينبغي أن تعصم المسلم من ارتكاب ما حرم الله، والإكثار من عمل الخيرات، والتقرب إلى الله تعالى بكل سلوك راقٍ، وهذا لا يتحقق إلا بأن يصوم المسلم عن المفطرات التي تتمثل في شهوات البطن والفرج، وأن يؤدي واجبه نحو مجتمعه وأهله، وأن يقوم بواجباته في العمل الذي كلف به على أكمل وجه؛ بل أن يكون صيامه حاثًا له على إتقان العمل وجودته؛ لأن هذا من علامات تقوى الله وإخلاص العمل لوجهه الكريم، وينبغي أن يكون التزام الصائم في أدائه لعمله انعكاسًا وترجمةً للتخلق بأخلاق الصيام.
والله ولي التوفيق.
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر