لا شك أن قضية مكافحة الفساد تعد القضية الرئيسية بالنسبة لجميع دول العالم سواء كانت دولًا متقدمة أو نامية، فالفساد بأشكاله المختلفة ظاهرة منتشرة في جميع الدول ولكن بدرجات متفاوتة من حيث مدى خطورته على النظم الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة في تلك الدول.
وانطلاقًا من إيمان دولة قطر بضرورة العمل الجاد لمكافحة آفة الفساد في العالم لما تمثله من خطورة بالغة على مستقبل الأمم وتقدمها ورفاهية شعوبها، تأتي جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد، التي انطلقت بمدينة فيينا النمساوية عام 2016، ثم مدينة جنيف السويسرية في مقر الأمم المتحدة عام 2017، مرورًا بالعاصمة الماليزية كوالالمبور عام 2018 والعاصمة الرواندية كيغالي في العام 2019 وصولًا إلى تونس في النسخة الحالية، لتمر الجائزة على قارات أوروبا وآسيا وإفريقيا والمنطقة العربية.
وتقدم هذه الجائزة التي تحمل اسم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، سنويًا تكريمًا وتقديرًا للأفراد والمؤسسات الذين تفانوا بمكافحة الفساد ولمن ساهموا بالحملة العالمية لمكافحته، وتمنح الجائزة بأربعة مجالات، هي إنجاز العمر «الإنجاز المتميز، والابتكار، وإبداع الشباب وتفاعلهم، والبحث والمواد التعليمية الأكاديمية».
ويكمن الغرض الأكبر من هذه الجائزة في أن تكون بمثابة أداة تُلقي الضوء على الإجراءات المثالية والجديرة بالملاحظة والممارسات الجيدة على الصعيد العالمي، وكذلك تقدير النماذج المكافحة للفساد من جميع أنحاء العالم وتعزيزها وجمعها ونشرها، فضلًا عن زيادة الوعي والدعم والتضامن بهدف مكافحة الفساد، بالإضافة إلى التشجيع على مبادرات مشابهة وجديدة واستثارتها نحو إقامة مجتمع خال من الفساد.
وتأمل الجائزة من خلال صورتها العامة ألا يتم تعزيز صورة من يحاربون الفساد فحسب، بل أن يتم الاحتفاء بهم أيضًا بجميع أنحاء العالم، كما تأمل بتحفيز الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والإعلام والمجتمع المدني على تبني مبادئ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وفهمها والتعاون من أجل تنفيذها.
وتحاول الجائزة توجيه عدد من الرسائل السامية وبمقدمتها، أن مكافحة الفساد هي أقرب وأقصر الطرق للتنمية المستدامة، وأن هناك من يقاتل من أجل النزاهة، وأن يد الشفافية من فولاذ قوي بوجه الفساد، وأن على الإنسان الضعيف الذي لا سند له أن يثق بأن هناك قانونًا يحميه، وضرورة إطلاق يد العدالة بالمعركة الشاملة ضد الفساد.
وتشير المعطيات إلى أن دولة قطر من أكثر الدول مكافحة للفساد، فقد يظهر ذلك من خلال سن القوانين لمواجهة هذه الظاهرة وكذلك الفصل بين السلطات، حيث فطنت القيادة الرشيدة للدولة إلى أهمية محاربة الفساد سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، لذلك قامت بسنّ القوانين، والتعاون مع الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، ولقد حرص حضرة صاحب السمو على الشفافية والنزاهة في النظامين الإداري والمالي في جميع القطاعات بالدولة، وذلك بتكثيف جميع الجهود لكشف المتلاعبين بالمال العام، وإيجاد الحلول والمعالجات الضرورية للحد من هذه الظاهرة، والخروج بنتائج إيجابية تساهم في تقدم المجتمع، وبالتالي تسريع عملية التنمية بجوانبها المختلفة، لينعم المواطن القطري بحياة كريمة.
وبشهادة الجميع أصبحت قطر اليوم بمثابة أيقونة في مكافحة الفساد حول العالم، ليس ذلك مجرد شعار، أو لافتة، وإنما هي عبارة تعكس حقيقة الدور الذي تضطلع به قطر عالميًا، في مكافحة الفساد ومحاربته، وتكريم مكافحيه ومحاربيه حول العالم بجائزة مرموقة، تبين حرص دولة قطر على تعزيز الشفافية والمساءلة على المستوى العالمي، مما يؤكد التزام قطر بتعزيز جهود المجتمع الدولي، لمواجهة الفساد وتداعياته العابرة للحدود.
والله ولي التوفيق،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر