أعجبني مشروع تخرج قدمته إحدى طالبات جامعة قطر، تخصص إعلام، بعنوان «ريالك أمانك»، حيث ركزت فيه على توعية الجيل الناشئ بأهمية الاستهلاك الواعي للمال، بهدف تخريج جيلٍ قادرٍ على التعامل مع المجريات المالية والأحداث الاقتصادية بوعي واستقلالية.
أعتقد أن إدراج مادة «الثقافة المالية» ضمن المناهج الدراسية سيسهم بشكلٍ فعالٍ في تشجيع الطلبة على التفكير الواعي والتوفير، وسيساعدهم على ضبط مصروفاتهم بشكلٍ معتدلٍ، ما يساهم في تعزيز دورهم داخل أسرهم. فالتعليم، بصفته أداةً مؤثرةً في عملية التنمية، يجب أن يشملَ الثقافة الاقتصادية والمالية، الأمر الذي يؤدي إلى إعداد جيلٍ يملك القدرة على فَهم الاقتصادات والتفاعل معها، سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع أو الدولة بشكل عام. حين نزرع الوعي المالي لدى الطلاب، فإننا نؤسس لاقتصادٍ متينٍ يحقق الفائدة لهم وللمجتمع بأسره.
إن وجود مادة «الثقافة المالية» في المنهج الدراسي يفتح آفاقًا جديدةً في مجال التعليم، حيث ننتقل نحو اقتصاد معرفي يتجاوز النمط الريعي إلى آفاق اقتصاد إبداعي وإنتاجي. هذه المادة تشجع الطلاب على التفكير الاستراتيجي والتوفير، وتحثهم على موازنة مصروفاتهم، ما يعزز قدرتهم على تقديم الدعم المالي المعتدل لأسرهم. كما أن تعلمهم هذه المادة يسهم في توجيههم نحو البحث والابتكار وتنمية المهارات، ويساعدهم على التفكير في حلولٍ ماليةٍ مناسبةٍ لمراحلهم العمرية.
ومن هنا، فإن تدريس هذه المادة على أيدي مختصين سيخلق جيلًا متمكنًا في مجال الاقتصاد المعرفي، معتمدًا على الذكاء والابتكار والبحث العلمي. شباب اليوم بحاجةٍ إلى الوقوف على أساسيات الاستثمار والإلمام بمبادئ الاقتصاد ليتمكنوا من خدمة المجتمع وتطوير أنفسهم ووطنهم.
إن نشر الوعي المالي بين الطلبة وتعريفهم بمفاهيم الاقتصاد والمحاسبة المالية يعدان من الأمور الحيوية. ومن هذا المنطلق، تأتي أهمية مادة «الثقافة المالية» كخِيار يُثري الطلابَ في مجالات التجارة، والعقارات، والاستثمار. فهي تزوّدهم بمهاراتٍ مثل الإدارة المالية الفعالة، ووضع خُطة مالية شخصية، والقدرة على إعداد ميزانيةٍ تلائم أهدافهم المالية، ما يؤهلهم للانخراط بنجاحٍ في سوق العمل.
كما أن منهج الثقافة المالية يتماشى بشكلٍ وثيقٍ مع أهداف رؤية قطر الوطنية 2030، خاصة فيما يتعلق بتعزيز الاستدامة البيئية والاجتماعية، ويركز على الاستهلاك المسؤول والاستثمار الأخلاقي، ما يساهم بفاعلية في تعزيز الوعي بالقرارات المالية، ويتولى، إضافة إلى ذلك، دورًا مهمًا في ترسيخ التماسك الاجتماعي، ودعم النمو الشامل، وبناء مجتمعٍ متوازنٍ يتسم بالاقتصاد المستدام المزدهر، حيث يمكّن تنوع المواد الاختيارية الطلبةَ من تطوير مختلِف المهارات والمعارف التي تساعدهم على التكيّف مع متطلبات عالمٍ متغيرٍ، ويسهم في تحقيق الأهداف الشاملة لرؤية قطر الوطنية.
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر
والله ولي التوفيق،،،
