تضج مواقع التواصل الاجتماعي، وكتب التنمية البشرية، ومدونات المُهتمّين بتطوير الذات، بالمقولات والإرشادات والمقتطفات والقصص التحفيزية، التي تساعد وتُلهم الآخرين لسلك طرق النجاح في الدنيا، وهي بلا شك نجاحات منقوصة، لأنك إذا كنت ترغب في أن تكون صاحب شخصية ناجحة عليك أن تسعى وتجتهد في طريق النجاح مع الله ومع الناس ومع النفس فإن قصّرت في أي من الطُرق فلن تتذوق حلاوة النجاح.
لأنك إذا نجحت في علاقتك مع الناس وأصبحت إنسانًا ناجحًا في حياتك العملية وشهد لك كل من حولك بذلك ولكنك مُقصّر في علاقتك مع ربك بصورة واضحة، لن تجني ثمار هذا النجاح في آخر المطاف، لأنك جعلت اهتمامك بالنجاح الدنيوي أكبر من الأخروي، وأهملت نجاحك الإيماني مع الله، فعليك السعي والاجتهاد في طريق الحق، وطريق الإيمان، وطريق النجاح مع الله، حتى تنال شرف النجاح في الدنيا والآخرة.
عليك – عزيزي القارئ – أن تسعى أولًا ودائمًا في طريق النجاح مع الله بأن تنجح في علاقتك مع ربك فهو المُعين والمُستعان وخير من أعان، فلا يرُد سبحانه من طرق بابه واحتاج إليه وسعى إلى طلب الرضوان، فأسمى درجات النجاح أن تنجح في الوصول إلى رضا الحق سبحانه وتعالى، وأن تعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، وأن تعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا، واعلم علم اليقين أن الملك لله يُعز من يَشاء ويُذل من يشاء وبيده الخير والملك وهو على كل شيء قدير.
وحتى تنجح مع الله عليك عدم إغفال وإهمال نجاحك مع نفسك أو نجاحك مع الناس فهي حلقة مُتكاملة تصب في إطار النجاح المثالي، (إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)، ويُمكنك أن تحوّل نجاحك في الدنيا إلى عبادة تُثاب عليها وتنفعك في الآخرة، بأن يكون هذا النجاح في خدمة الإسلام والمسلمين فالأمة الإسلامية بحاجة إلى كل فرد ناجح في المُجتمع.
وفي اعتقادي أن العِبرة ليست بالنجاح الدنيوي، لكن النجاح في الدنيا يجب أن يُسخّر للنجاح في الآخرة؛ لمرضاة الله أيًا كان موقع العبد في الدنيا ومهما تولى من مناصب، (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا).. صدق الله العظيم.
والحُكم بالنجاح والفشل على الشخص يجب أن يكون بالنظر إلى نواياه، والمَقاصد من هذه الأعمال، فإن العبرة بالخواتيم، وما عند الله من ثواب، وليس بظاهر الأعمال. «لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة»، ولابد أن يكون لدينا نية صادقة في أن نرضي الله، ونسأل أنفسنا دائمًا هذا السؤال: «هل أنا الشخص الذي يُحبه الله»..؟
والله ولي التوفيق ،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر