تساؤلاتٌ عديدةٌ بشأن اختيار التخصص الدراسي تدور في أذهان الطلاب الذين أكملوا دراسة المرحلة الثانوية (أي تخصص أختار؟ أترك الأمر لأهلي أم أختار التخصص الذي أرغب فيه؟)، ولكن أجد نفسي مُتفقةً تمامًا مع المثل القائل «أحب ما تعمل حتى تعمل ما تحب»، لذلك أتقدّم بالنصح والإرشاد من خلال هذه السطور لأهالي الطلاب الحاصلين على الشهادة الثانويّة، بالاستماع إلى رغبات أبنائهم في تحديد اختصاصاتهم الدراسيّة المُستقبليّة.
وفي اعتقادي من الضروري أن يتحاورَ الأبناء مع الآباء، في المواضيع التي تتعلق بشؤون مُستقبلهم الدراسي والعملي، فيكون دور الأهل توجيهيًا من خلال النقاش، وفرض الرأي لا يكون إلا من الأب أو الأم القريب جدًا من أبنائه لدرجة أنه يعرف قدراتهم ومدى تمكنهم أكثر من أنفسهم، وعن طريق التوجيه الهادئ، وإبداء الرأي، واستثمار طاقاتهم ورغباتهم في التخصصات التي يُبدعون بها، وهذا الأمر ينطبق على الأبناء في مُختلِف المراحل الدراسيّة، بَدءًا من المدرسة واختيار التخصص (علمي، أدبي) أو التخصصات الجامعيّة في مرحلة الجامعة.
ومن وجهة نظري أن كل أسرة تعرف مُستوى أبنائها، من خلال نتائجهم المدرسيّة وعلاماتهم، لذلك يجب على الأهل ألا يفرضوا رغباتهم وميولهم على أبنائهم، وخصوصًا إذا كان الأهل يعلمون أن ميولهم تختلف عن رغبات وميول الأبناء، وعدم قدرتهم على التحصيل الدراسي، وبالتالي الإخفاق في الدراسة، وتحميل الآباء مسؤولية سوء الاختيار، في ظل تحكم بعض الآباء في مسار الأبناء، حيث يعتبر الأهل دراستهم أو مهنتهم نموذجًا ناجحًا لأبنائهم، وبالتالي إرغامهم على ما يُريدون من تخصص دراسي، دون النظر إلى أن هذا التخصص يتناسب أم لا مع قدراتهم وميولهم وأحلامهم وطموحاتهم، ما يؤدّي بالنتيجة عند اختيار الأهل التخصص لأبنائهم إلى تدني تحصيلهم الدراسي، والتأثير على نفسياتهم وشعورهم بالإحباط والاكتئاب.
ومن خلال خبرتي في المجال الأكاديمي التي امتدّت لسنوات، أنصح أولياء الأمور بالابتعاد عن التقليد الأعمى في اختيار التخصصات الدراسيّة للأبناء، وذلك مُجاراة للأقارب والأصدقاء والجيران، والبُعد عن المظاهر الاجتماعيّة، ومن المعروف أن كثيرًا من التخصصات العلميّة في كافة فروعها ومجالاتها لها مكانتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة في المُجتمع، فيرغب كثير من الأهالي في التحاق أبنائهم بها دون أن تتناسبَ مع ميولهم وقدراتهم من باب المُباهاة، وهذا الأمر يضر بالطبع بمُستقبل الأبناء.
وفي الختام يجب أن يكونَ الأهل شركاء في تميّز أبنائهم من خلال تسهيل وتذليل كافة العقبات التي قد تواجه تحصيلهم الدراسي، سواء كانت عقبات مادية أو نفسية أو اجتماعية، ويجب أن نعرفَ جميعًا أنه في الوقت الحاضر أصبح الأبناء أكثر وعيًا وفَهمًا نتيجة ظهور التكنولوجيا، فالشاب اليوم قادرٌ على اختيار مُستقبله العلمي أو المهني، وقادرٌ على التعرّف على مُتطلبات الحصول على وظيفة بعد التخرّج من خلال الاشتراك في دورات تدريبيّة لتحديد نوعية التخصصات التي يحتاج إليها سوق العمل.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر