تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

تداولتْ منصاتُ التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، موضوعَ «الواجبات المنزليَّة»، حيث اشتكى أولياءُ الأمور بحسب ما تمَّ تداولُه على نطاق واسع في «السوشيال ميديا» من إصرار المدارس على تكليف الطلاب والطالبات بالكثير من المشاريع المنزليَّة والتي تفوق قدراتِهم، وعندما يعجزون عن تنفيذها يوجهونهم للاستعانة بأولياء الأمور.

الأمر الذي يجعل الكثيرَ من الأسر وأولياء الأمور ينظرون إلى الفروض والواجبات المنزلية بعين الاستياء، كونها ترهق الطلاب والأسرة معًا، وتحديدًا طلاب المرحلة الابتدائية، لذلك يتساءلون دائمًا عن الجدوى من تحميل الطلاب عبئًا إضافيًا وكَمًا هائلًا من الواجبات التي تثقلُ كاهلَهم، وتحرم الطفل من التمتُّع بطفولته، ليقضي وقتًا طويلًا بعد اليوم الدراسي الطويل في عمل الواجبات والفروض المطلوبة منه في المدرسة؟

وبحسب المناهج التعليمية المتقدمة والمتطورة فإن كثرة الواجبات المنزلية، تشكل عبئًا كبيرًا على الطلاب، وتجعلهم يصلون إلى مرحلة من الملل، يتعاملون فيها مع الواجبات كتأدية واجب فقط، دون أي تركيز أو إبداع أو إقبال من جانبهم، الأمر الذي يتطلب من وزارة التربية والتعليم إعادة النظر في كثرة الواجبات المدرسية، ومحاولة التقليل منها، بما يفيد الأبناء، حتى لا تتحول المحصلة المرجوة منها إلى نتائج عكسيَّة.

ودعوني في هذه المساحة أن استعرضَ لكم تجرِبة «مدارس فنلندا» التي كانت سيئة للغاية، لدرجة أنه عندما تم تقييم مستوى الأطفال حول العالم، كانت كل من فنلندا والنمسا في مكان ما أسفل قائمة الأمم، ولكن فنلندا لم يعجبها الأمر وتحركت نحو تحسين صورتها، لذا قامت بتجربة أفكار جديدة، وفي غضون فترة وجيزة جدًا، قفزت فنلندا إلى قمة العالم، وأصبح طلاب مدارسها رقْمَ واحد.. كيف قاموا بذلك؟

الإجابة التي لن يتصورها أحد أن الطلاب في فنلندا (ليست لديهم واجبات منزلية)، لأنه يجب أن يتوافر لهم المزيد من الزمن كي يعيشوا طفولتهم، فقد قامت وزارة التعليم الفنلندية بتقليل أيام الفصل الدراسي، وقلصت ساعات التدريس في الأسبوع، وتوقفت عن الاختبارات الموحدة، وتخلصت من الواجبات المنزلية، وكذلك الدروس الخصوصية، وبالتالي تصدرت ترتيب العالم.

فقد فُوجئ العالم بمجموعة طلاب قادمين من دولة صغيرة تعداد سكانها خمسة ملايين نسمة، يُتَوَّجون بالمراكز الأولى في اختبارات القياس الدولية في عام 2000م، ومنذ ذلك العام والسياحة التعليمية نشطة في فنلندا، طوابير من الوفود الدولية تصطف سنويًا للزيارة، والإجابة عن سؤال واحد: ما الذي يجري في مدارسكم؟

الذي يجري ببساطة هو أن التعليم التقليدي دائمًا ما يركز على معيار واحد للنجاح فقط: (اختبارات، واجبات، مشروعات) وكلها مسطرة قياس موحدة للجميع، الطلاب والطالبات ملزمون بتحقيق هذا المعيار الوحيد لضمان عملية الترقي للمراحل التالية، بافتراض أن جميع البشر يتمتعون بنفس القدرات والإمكانات ذاتها، وما دام هناك طالب واحد استطاع أن يحقق هذا المعيار، فجميعهم قادرون على ذلك. هذا هو «توحيد التعليم».

أما مرحلة «تفريد التعليم»، فتقوم على مبدأ الإقرار أولًا بأن الطلاب متفاوتون في قدراتهم وإمكاناتهم خلال عملية التعلم، لذلك تبدو فنلندا وكأنها كوكب آخر في المنظومة التعليمية العالمية بطرقها المبتكرة ومنهجيتها العلمية المثيرة للدهشة والاهتمام، فهي لم تصنع نظامًا تعليميًا من الخيال العلمي، وإنما واكبت التطورات، واستفادت من تجارب الآخرين، وسمحت لباحثيها بالتعمق في مناهج التعليم، ودراسة سلوكيات المعلمين والمتعلمين، فخرجت بنموذجٍ فريدٍ من نوعه.

وبالتالي استطاع التعليم الفنلندي إبادة 99% من جراثيم التعليم العالمي… كيف؟ تكثيف المواد، كثرة الاختبارات والواجبات، إطالة أوقات الدوام، الدراسة المنزلية والدروس الخصوصية، كلها ممارسات من شأنها إرهاق الأستاذ والتلميذ معًا، وإضعاف عملية التعليم ككل.

والله ولي التوفيق

 

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر