الابتكار في التعليم يُشجّع المُعلمين والطلاب على استكشاف جميع الأدوات والبحث عنها، واستخدامها لاكتشاف شيء جديد، فالتعليم المهني اليوم، يُكسِب المُتعلمَ قدرًا من الثقافة والمعلومات والمهارات الفنية والمهنية على المستويين العملي والنظري، ما يُمكّنه من إتقان عمله وتجويده، ويرتقي بمستواه المهاري في مجالات العمل المُتخصصة «الصناعي والتجاري والسياحي» ويعدُّه الإعداد الجيد لسوق العمل، ليُصبح بعدها المُتعلم مواطنًا مُنتجًا يُسهم في تقدم بلاده.
وفي اعتقادي أن التعليم المهني والتقني القائم على الابتكار يُمهِّد الطريقَ نحو ثورة توظيف غير مسبوقة في وطننا، لكن علينا جميعًا أن نُغيِّرَ نظرتنا إلى سوق العمل والوظيفة، ويجب ألا يكون أقصى طموح الشباب الجلوس على مكتب والقيام بمهام إدارية وكتابية فحسب؛ بل عليه أن يطمحَ نحو العمل الجاد الذي يُعزّز الإنتاجية في المُجتمع، ويخدم نمو اقتصادِنا الوطني.
ولن يتحققَ ذلك ما لم تتوفر المدارس أو المعاهد، التي تمنح درجة الدبلوم المهني أو التقني، ويعي الأهالي أهميَّة دور الفنيين الذين يرفعون من شأن البلاد، عندما يزداد عدد المصانع بأنواعها، ويقوم الشباب القطري بإدارتها وزيادة إنتاجها، وتتحول النظرة المُستقبلية للدولة نحو الاكتفاء الذاتي من خلال النظام التعليمي القائم على غرس روح الابتكار، وعدم الاعتماد على الواردات من الخارج، بوضع استراتيجيَّات في التطوير المهني، وتوفير الكليات التخصصيَّة للراغبين في تكملة تعليمهم المهني الذي يُعزز ثقافة الابتكار.
ومما لا شك فيه أن التعليم المهني يُمثل فرصةً جيدةً لتوفير خيارات وبدائل تعليمية تُكسب المُتعلمين المهارات المهنية اللازمة، وترتقي بهم إلى مستويات تعليمية مُتقدمة، من خلال تدريبهم على تقنيات وأساليب وطرائق مهنية وتقنية جديدة تُعزّز خبراتهم الحياتية، كما أن جميع المؤشرات تُشير إلى أن التعليم الفني والتدريب المهني، سيلعبان، مُستقبلًا، دورًا محوريًا في تسيير دفة الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالدولة.
لذلك يجب على الشباب الذي ينخرط في التعليم أن يُثقفَ نفسه بدراسة احتياجات سوق العمل، ثم يختار التخصص الذي تحتاجه المؤسسات ويتناسب مع شخصيته المهنية واهتماماته، لا التخصص الذي يقترحه عليه أصدقاؤه أو يراه سهلًا في دراسته، إلى جانب تعزيز ثقافة وجود المُرشدين المهنيين في المدارس والجامعات الحكومية، الذين من الممكن أن يقوموا بدور فعَّال في مُساعدة الطلاب والخريجين في اختيار التخصص المُناسب وإعدادهم للمهارات الوظيفية الضرورية للتنافس في سوق العمل.
كما يجب على الشباب استغلال الفترة الجامعية بالانخراط في البرامج المُجتمعية التطوعية المُختلفة، التي تُساهم في تعريفهم بفرص العمل واكتساب خبرات مهنية قبل التخرج والبحث عن وظيفة، وذلك لسد الفجوة التي تنشأ بين مُخرجات التعليم وسوق العمل؛ بسبب التطور المُستمر في قطاعات الأعمال وصعوبة استدراك هذا التطور بالسرعة المُناسبة أحيانًا من قِبل المؤسسات التعليمية.
وربما يعتقد أغلبنا أن الابتكار محصور في فكرة جديدة وفريدة فقط، لكن في الحقيقة، يجب على المُدرس أن يجعل من أفكار الطلاب وإجاباتهم ومنتوجاتهم ذات قيمة كبيرة، ونوعًا من الابتكار أو الاختراع ويُشجعهم على نقدها لتطويرها أو تحسينها، فالطلاب بحاجة مُستمرة إلى التحفيز والدعم العاطفي الذي يُنمّي روح التفكير الإبداعي والثقة بالنفس، فالأنظمة التعليمية الحالية تحتاج فعلًا إلى ثورة إصلاحية على مستوى المناهج وطرق التدريس تواكب ثورة العالم اقتصاديًا وتكنولوجيًا، بشكل يُتيح للمُدرسين وسائل أكثر وحرية أكبر للإبداع في مهنتهم واختيار ما يُناسب تطلعاتهم لتجهيز جيل المُستقبل، جيل يُنتَظر منه الكثير.
والله ولي التوفيق.
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر