هناك العديد من المواضيع التي أودُ التطرقَ إليها بمُناسبة بدء العام الدراسي الجديد، ولكن في اعتقادي أن الأولوية يجب أن تكونَ لموضوع توفير البيئة التعليميّة المُلائمة، كون العبرة في جودة التعليم ليست بعدد ساعات التمدرس، وطول اليوم والعام الدراسي، وإنما في جودة ما نقدمه خلال ساعات التمدرس هذه، بما ينفع الطلاب، بعيدًا عن الحشو والإطالة؛ تجنبًا لاستنزاف طاقة الطلاب بما لا طائل منه، ويتبخر فور أداء الاختبارات، لذلك لا بد من توفير بيئة تعليمية مُلائمة وجاذبة للتعليم والتعلم، تُشجعُ على التزوّد بالعلم والتحصيل الأكاديمي، وتكون للطالب والمُعلم على حد سواء، نشيطة وتتسم بالترفيه.
كما أن زيادة التحصيل الأكاديمي للطالب وإعداده لتحقيق معايير المناهج العالمية وتزويده بالمعارف والمهارات الحياتية وبناء شخصيته وَفق القيم القطرية، يعتبر من أهم أهداف منظومة التعليم في قطر، وذلك حتى يتمكنَ الطلبة من المنافسة في أرقى الجامعات المحلية والعالمية وتلبية متطلبات سوق العمل المحلي والدولي والإسهام في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، باعتبار أن العملية التعليمية عملية ديناميكية مُتغيرة ومُتجددة، تتكامل مراحلها، ويعزز بعضها بعضًا، وصولًا لمُخرجات نوعية.
والتعليم هو اللبنة الأساسية لهذا الوطن، ومُخرجاته هي السواعد التي ستُساهم في بناء المُستقبل واستمرارية التقدم والرفاهية، لذلك لا بد من مناقشة الأمور التي تركز على الكم أكثر من تركيزها على الكيف، مع العلم بأن الدوام الدراسي المتوازن سيساعد الطلاب على استيعاب كل ما يُدرس لهم، كما سيُتيح لهم وقتًا كافيًا لأداء واجباتهم والقيام ببعض الأنشطة البدنية المهمة لهم كأطفال، ومن ثَمَّ الخلود للنوم مُبكرًا، لكي يتمكنوا من الاستيقاظ في الموعد المُحدّد لهم، ولكي لا يكره الطالب المدرسة، خاصة إذا وجد نفسه محصورًا في حلقة مُغلقة، مثل أداء الواجب المدرسي، أو النوم مُبكرًا للذهاب إلى المدرسة، ومن ثم تتحقق الفائدة الكاملة من المدرسة، ولا تجد تململًا من الطلاب أو أولياء الأمور.
وإذا نظرنا إلى التجارب العالمية في مجال التعليم سنجد أنها تختلف عما هو قائم أمامنا الآن، حيث تهتمُ الدول الغربية بإتاحة المجال للطلاب لممارسة حياتهم الاجتماعية، وأن تكون لهم هوايات تصقلُ مواهبهم الخاصة، بعيدًا عن قاعات الدراسة، فلا يمكن تحقيق أي نهضة أو تطور أو تقدم في أي مجال من المجالات إلا بالانفتاح على أنماط من التعليم المُتقدم، الذي اعتمدت عليه الكثير من الدول في نهضتها ونهضة شعوبها في مجالات التنمية والإنتاج، إذ رفعت بعض الدول شعار: «تدريس أقل، تعلُّم أكثر»، الأمر الذي يعني تقليل وقت التدريس مع تعلُّمٍ أكثر، لأنّ الدولة الأوروبية ترى أنّه لا توجد علاقة بين زيادة أوقات الدراسة والتفوق، لذ أعطت الطالب الحق في الاستمتاع بوقته خارج وقت المدرسة.
ومن واجبنا كخبراء وتربويين في هذه الفترة أن نبثّ الرسائل التوعوية والعبارات التحفيزية، التي تحثّ طلابنا -بالمراحل الدراسية- على الاجتهاد وهم مُقبلون على بداية العام الدراسي الجديد، وتشجيعهم على السعي بكل ما في وسعهم إلى التميّز والإبداع، باعتبار أن التحفيز في مجال التربية والتعليم يُعدُّ من أهم المرتكزات التي من خلالها نصل إلى تحقيق أهداف التربية، حيث إن الطلاب الذين ليس لديهم دوافع لن يتعلموا بشكل فعّال، ولن يحتفظوا بالمعلومات والمعارف والأفكار في ذهنهم للمُستقبل، فإن كان معظم الطلاب مُتحمسين بشكل طبيعي للتعلم، إلا أنَّ كثيرين منهم يحتاجون -أو يتوقعون- من مُعلميهم أن يلهموهم ويبعثوا فيهم روح التحدي والتحفيز والتعامل بحب حتى يُحققوا النجاح المأمول.
والله ولي التوفيق ،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر