الأخلاقُ أساسُ الرقي وعنوان التقدّم والحضارة عبر التاريخ، فالأمم لا تنهض إلا إذا استندت على أسس أخلاقية وقيم حضارية، كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: «وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا» فحين تكون الأخلاق موجودةً في سلوكيات أيّ مُجتمع من المُجتمعات، فهذا يعني أنّ هذا المُجتمع مُتحضّر ومُتمدّن، يسعى للتّقدم والرِّفعة بين الأمم، كما أنّ الأخلاق هي معيار بقاء الأمم والحضارات.
حسنًا فعلت وزارةُ التربية والتعليم والتعليم العالي وهي تُنظم مُلتقى تعزيز القيم والأخلاق الحميدة بين الأطفال والشباب في المُجتمع، بهدف زيادة الوعي العام بقضايا الصحة النفسية والتحديات السلوكية الناشئة ما بين طلبة المدارس والشباب، ودور كل من المؤسسات التعليمية والأسرة في مُعالجة تلك التحديات، وتعزيز السلوك القويم بين النشء، والتأكيد على أهمية القيم ومكارم الأخلاق في الحياة لأنها تُمثل الجذور الطيبة.
وفي اعتقادي أن عملية ترسيخ القيم والأخلاق في نفوس الطلاب تبدأ من داخل البيت، فتربية الآباء والأمهات هي الجزء الأساسي، ويأتي دور المدرسة والمُعلمين كدور تكميلي لهم، فما يُرسخه الأبوان يؤكد عليه المُعلمون للطلاب، باعتبار أن اهتمام الدولة بتعزيز القيم في نفوس النشء ليس جديدًا، بل كانت القيم دائمًا محورًا أساسيًا في بناء المناهج الدراسية، وفي مدارسنا لا تخلو حصة دراسية من قيمة تربوية، فهي عنصر أساسي من عناصر الحصص الدراسية، ولها اهتمام كبير في البيئة المدرسية لتنشئة جيل مُتسلح بالقيم.
ومثل هذه الفعاليات والمُلتقيات من شأنها أن تُحافظَ على مُكتسبات المُجتمع الأخلاقية، وتحمي أبناءنا من تسلّل الأفكار الدخيلة، وتُعزز تعاليم الدين الحنيف وتقاليد الآباء والأجداد، خصوصًا أن توصيات تعزيز القيم والأخلاق الحميدة في الملتقى، الذي حضره معالي رئيس الوزراء الأسبوع الماضي، وجدت صدى لدى مُختلف شرائح المُجتمع، وبالتالي ستُساهم هذه المُخرجات في تحصين الإنسان والمُجتمع في مواجهة المُتغيّرات التي يفرضها عصر المعلومات والانفتاح، وكذا حماية أبناء المُجتمع من كل ما يُخالف ثوابتهم الأخلاقية.
ولا شك أن للأخلاق والقيم أهميةً كبيرةً في تحقيق نوع من الاستقرار الاجتماعي، يتم فيه احترام القواعد الأخلاقية السائدة في المُجتمع، فإذا كان الجمال يجذب العيون، فالأخلاق تملك القلوب، وﺣﻴﻨﻤﺎ أراد الله وصف ﻧﺒﻴﻪ المُصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ﻟﻢ ﻳﺼﻒ ﻧﺴﺒَﻪ أو ﺣﺴﺒَﻪ أو ﻣﺎﻟﻪ أو ﺷﻜﻠﻪ، ﻟﻜﻦ قال ﺗﻌﺎﻟﻰ: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، ورسولنا الكريم قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ»، فمكارم الأخلاق تحتل أكبر مساحة من الدين، بل إن الدين كله خُلق، فإذا انتفى الخُلق ذهب الدين.
ونستطيع القول إن تنشئة الأجيال ليست عبئًا فقط على الأسرة، بل للمناهج التعليمية والتربوية دورٌ كبيرٌ في زرع الأخلاق في الأبناء، ويقولون إن في دولة مثل اليابان هناك مادة أساسية تُدرّس في مناهجهم من مرحلة الروضة حتى نهاية المراحل الجامعية تُسمّى مادة «الأخلاق» لها درجات نجاح ورسوب وتأثير على المُعدّل العام للطالب وعلى مُستقبله الوظيفي في مرحلة لاحقة، وأن تلك المادة صِيغت من قِبل خبراء في علم النفس والسلوك والقيم الاجتماعية والروحية، وأنها مع مرور الأيام والأعوام تحوّلت إلى سلوك راقٍ عام يندر أن يشذَّ عنه أحد من سكان اليابان بمن فيهم الذين هاجروا إليها للعمل أو الإقامة الدائمة من دول الشرق المُجاورة أو من القارة الهندية، لأن أي سلوك خارج عن دائرة الأخلاق أصبح مُستهجنًا استهجانًا عامًا يجعل مُرتكبه «يذوب» من الخجل وقد يتعرّض لعقوبات قانونية صارمة، إضافة إلى ما واجهه من ازدراء عام.
لذلك نُطالب بأن تكونَ هناك مساحة في مدارسنا لدراسة الأخلاق ومُعايشتها على أرض الواقع بشكل يومي من خلال تخصيص أوقات مُعينة لتعزيز القيم والسلوكيات الحميدة في المُجتمع المدرسي والطلابي.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر