ربما لا ينتبهُ الكثيرون إلى أن الزكاة مُقدَّمةٌ على الصيام باعتبار أنها قرينة الصلاة، وأمرها أشد من أمر الصيام؛ على الرغم من أن الزكاة لا تجب إلا على الأغنياء، بينما الصوم واجب على الجميع، لكن الترتيب في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وفي غيره «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان». أخرجه البخاري ومسلم.
ما يدل على أن أمر الزكاة أهم من أمر الصيام، والبداءةُ بالأهم لا شك أنها أولى، فالزكاة وجوبها أعظم من وجوب الصيام كما هو معروف، وهي قرينة الصلاة، وتتمثلُ أهمية الزكاة في أنها من محاسن الإسلام الذي جاء بالتكافل، والتراحم، والتعاطف، والتعاون بين المُسلمين، وبالأمن، والرخاء لهم، فقد جعل الله الزكاة طُهرةً لصاحبها، وتنمية حسية ومعنوية له، وإعانةً من أصحابها لإخوانهم المُستحقين لها، فالإسلام دين التكافل الاجتماعي، حيث يكفل للمحتاج ما يعينه على حياته من مال الزكاة، ويكفل للغني حرية التملك لماله لإتيانه الزكاة.
ولا شك أن الزكاة وسيلةٌ من وسائل الإسلام التي اتخذها لتقريب المسافة بين الأغنياء والفقراء، فالإسلام رغم اعترافه بالتفاوت الفطري في الأرزاق بين الناس؛ لكنه لم يدع الغني يزداد غنى، والفقير يزداد فقرًا، فتتسع الشُقة بين الفريقين، ويصبح الأغنياء «طبقة» كتب لها أن تعيشَ في أبراج من العاج، ويصبح الفقراء «طبقة» كتب عليها أن تموتَ في أكواخ من البؤس والحرمان، بل تدخل الإسلام بتشريعاته القانونية، ووصاياه الروحية والخلقية، لتقريب المسافة بين هؤلاء وأولئك، فعمل على الحد من طغيان الأغنياء، والرفع من مستوى الفقراء.
وبدورها تحرصُ إدارةُ شؤون الزكاة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تقديم الاستشارات للشركات والمُزكين الأفراد، إذ يقوم الباحثون الشرعيون ببيان كيفية حساب الزكاة للشركات والأفراد الراغبين في استخراج الزكاة، كما تُقدم إدارة شؤون الزكاة حاسبة للزكاة مُرتبطة بأسعار الذهب تُحدّث بشكل مُستمر يمكن للمُزكي من خلالها حساب زكاة أمواله، الذهب والفضة، والأسهم، والتجارة وغيرها، كما يمكنه دفع الزكاة عبر الموقع بالتعاون مع «حكومي»، ويتضمن الموقع الإلكتروني لإدارة الزكاة التي تعكف على إطلاق «تطبيق» طلب خدمة التحصيل السريع إلكترونيًا، حيث تستقبل الطلب شعبة التحصيل، ويتواصل المُحصل مع المُزكي طالب الخدمة لتحديد المكان والوقت المُناسبين له لتسلم مبلغ الزكاة، وتسليمه سندًا بالتسلم.
والإيمان بفريضة الزكاة ممَّا عُلِمَ من الدين بالضرورة، لتواتر أدلتها في القرآن والسُّنة، فلا يجوز إنكارها أو عدم أدائها، ولا عذر في الجهل بها، فمَنْ جحدها أو أنكرها فقد كذَّب كلامَ الله وحديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأجل ذلك فإن أولئك الذين يُنادون بأنَّ الزكاة لم يعد لها موضع، لأنَّ النظم الوضعية حلت محلها ولم تعد صالحة لهذا العصر، حالهم يُناقض الإسلام، فليس هناك نظام صالح يحل محل الزكاة، لأنها حكم شرعي ثابت بإجماع علماء الأمة الإسلامية بدليل القرآن والسنة، ولأهميتها في الإسلام، وعظيم شأنها، فإنَّ الله تبارك وتعالى قرنها بالصلاة في اثنتين وثمانين آية في القرآن الكريم.
ورمضان من تلك المواسم العظيمة التي ينبغي للمُسلم أن يتحرى فيها الإنفاق في سبل الخير ووجوه البر بقدر إمكانه تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُنفق في رمضان ما لا يُنفق في غيره. وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان.
والله ولي التوفيق ،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر