لا شك أن الرياضةَ لغةٌ عالميةٌ تجمعُ الناسَ من مُختلِف الثقافات تحت راية كرة القدم، كما أنها اللغة التي لا تحتاج إلى مُترجمٍ يفكّ شفرتها كاللغات العالمية، التي يتحدّثها سكان المعمورة، كونها اللغة الوحيدة التي يفهمها الجميع على اختلاف ألوانهم.
إنها الساحرة التي تجمع كل سكان العالم حولها سواء من كان حاضرًا المُباراة في الملعب أو من يُشاهدها خلف الشاشات، فاستضافة دولة قطر النسخةَ الحالية من البطولة الآسيوية، ليست مجرد لحظة عابرة من الزمن فهي أكبر من أن تكونَ صورة تَذكارية، كونها أصدق رسالة بأن الدوحة ماضيةٌ في طريق التألق والعالمية باستضافة الأحداث الكُبرى. وباتت كرة القدم، في حياة الشعوب، بحجم الكرة الأرضية ونتائجها تمس كبرياء الأمة وتحوّلت من مجرد لعبة إلى ظاهرة سياسية واجتماعية عالمية، ومع تعاظم أهمية كرة القدم ودورها وتأثيرها وسحرها على الشعوب أصبحت واحدةً من أهم الأوراق التي تعتمد عليها الدول في إظهار القوة الناعمة، باعتبار أنها تفعل في الشعوب أكثر مما تفعله لعبة أو رياضة أخرى، وهي منذ فجر تاريخها كانت وما زالت مُرتبطةً بالكبرياء، فكبرياء كل شعب يعلو بالانتصار، وقديمًا قال خبراء الاجتماع إن كرة القدم تُعزز الكبرياء الوطني.
ولا شك أن كرة القدم، ليست مجرد مُستديرة مصنوعة من الجلد، يتناوب اللاعبون على ركلها، ولكنها طاقة هائلة تضخ الحقيقة في شرايين الأمل، وشحنة نفسية مُلهمة تصنع ثقافة الانتصار، ولعبة كرة القدم الآن، هي منظومة صناعية مُتكاملة لها أدواتها وآلياتها ومُقوّماتها وإنجازاتها، عالم المُستديرة، مدرسة مُكتملة الأركان، دروسٌ وعِبرٌ، فوزٌ وخَسارةٌ، مُنافسة وتفوق، تشبث بالأمل وتفاؤل رغم الأزمات والتحديات، تضحيات وإنجازات.
وتعتبر كرة القدم من أكثر الرياضات إثارة للمتعة، ليس على مُستوى الشعوب العربية فقط، وإنما على مُستوى شعوب العالم، كما أنها تُعد نشاطًا اقتصاديًا يُقدّر حجمه بمئات المليارات، وجزءًا من القوة الناعمة للدول، وهنا لا يخفى على أحد استثمار قطر في الرياضة؛ من خلال رعايتها المُنافسات والأندية الرياضية المحلية والدولية، إذ تبني الدولة في استراتيجيتها بنيةً تحتيةً، وملاعب على طراز عالمي، لاستضافة أقوى البطولات الإقليمية والعالمية؛ وحصدت «القوة الناعمة القطرية» – ولا تزال تحصد – ثمارها على نطاق واسع؛ إذ باتت الدوحة وجهةً مُفضلةً للرياضيين؛ بما تمتلكه من مُنشآت رياضية ضخمة. وكرة القدم هي الوجه السعيد والمُبتسم للهُويات الوطنية، لأنها القادرة على تحقيق لحظة تحرّر فردي وجماعي بامتياز، تذكي المشاعر القومية وتُحيي الهُويات الوطنية، وتخلق ما يمكن وصفها بالقومية الرياضية أو «القومية الاحتفالية»، على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي جيل ليبوفيتسكي، تتجسّد في تركيز المشاعر والرموز الوطنية في لحظات مشحونة لإنتاج نوعٍ من التضامن الوطني بين جميع طبقات السكان لتشكيل جسم واحد.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر