مياه الأمطارِ نعمةٌ مرسلةٌ من السماء ومهدرة في الأرض، بإمكاننا أن نوظفها لري المشاريع الزراعيَّة تخفيفًا من استنزاف المخزون الجوفي، وذلك عبر توجيهها إلى خزانات المياه الجوفية الطبيعية بالدولة، من خلال شبكة تصريف مياه الأمطار، والاستفادة منها بدلًا من تفريغها في البر، باعتبار أن مياه الأمطار عذبة وصالحة للزراعة والشرب وغيرهما.
وبما أنَّنا في بلد صحراوي، فلا بد من التفكير في الاستفادة من مياه الأمطار قدر المستطاع، فإن وجدت العلوم الجيولوجية الدعم المطلوب والاهتمام الكافي، ربما نجحت في حل العديد من المشاكل التي تتعلق بمصادر المياه، وابتكار آليات لإدارة واستخدام مخزون المياه الجوفية الاستخدام الأمثل، من خلال توجيه مياه الأمطار للأماكن التي توجد بها تراكيب مختلفة من الصخور الرسوبية والمكونات الجيولوجية حتى تكون خزانات مياه جوفية.
ولا شك أن تجميع مياه الأمطار بأسلوب علمي وتفريغها في المناطق التي بها منسوب المياه الجوفية قليل يرفعان من منسوبها في باطن الأرض، بدلًا من تصريف هذه المياه في البحر، خاصة أن نسبة المياه الجوفية قليلة وشحيحة للغاية، أو تخزين هذه المياه في خزانات كبيرة ومن ثم إعادة استخدامها في الزراعة وتشجير الشوارع وأعمال الإنشاءات، أو ربط شبكة تصريف مياه الأمطار بشبكة الصرف الصحي ومعالجتها، لإعادة تدويرها واستخدامها في الأغراض الصناعية والزراعية وغيرها، لترشيد استخدام المياه المحلاة.
وعلى سبيل المثال، يبحث مواطنو سنغافورة، وهي دولة صغيرة تواجه زيادة مستمرة في عدد السكان، دائمًا عن مصادر وأساليب مختلفة لتجميع مياه الأمطار، وذلك من خلال استخدام أسطح المنازل ثم تخزين كميات المياه في خزانات لاستخدامها في المهام اليومية، أما النظام الأكثر تعقيدًا فهو المستخدم في مطار «شانجي»، حيث يجمع النظام مياه الأمطار ويعالجها ويقوم بتخزينها في اثنين من الخزانات الكبيرة، وتمثل هذه الكمية من المياه من 28 إلى 33% من إجمالي المياه المستخدمة في المطار، وتوفر هذه البنية التحتية للمطار أكثر من 275 ألف دولار سنويًا، لاستخدامات المياه التي لا تتضمن الشرب، مثل المراحيض والمياه المستخدمة لمكافحة الحرائق، والوضع مشابه في طوكيو باليابان، حيث يساعد تجميع مياه الأمطار على تجنب نقص إمدادات المياه، وتوفيرها في حالات الطوارئ، وفي السيطرة على الفيضانات، وكذلك في أستراليا، يمكنك أن ترى خزانات مياه الأمطار بجوار كل منزل، والأمثلة على ذلك كثيرة لا يمكن حصرها في مقال واحد، ولكن هذه مجرد نماذج وأمثلة حية.
وشهدنا في العقود الأخيرة، وبسبب التغيرات المناخية تغيرات واسعة في طريقة توزيع المياه على سطح الأرض، فبينما تشهد بعض المناطق شحًا في كمية الأمطار التي تسقط عليها، تتعرض مناطق أخرى لفيضانات لحظية تؤدي إلى تدمير البنى التحتية والتسبب في خسائر بشرية كبيرة، وبينما كانت الأمطار تتساقط وَفق التوقعات السنوية أو الموسمية تحوَّلت الأمطار في بعض المناطق إلى نوع من المخاطر البيئية، وسيؤدي تناقص سقوط الأمطار في بعض المناطق إلى الارتفاع التدريجي في درجات الحرارة والتصحر وتدمير الغطاء النباتي والهجرة البيئية، بينما ستؤدي زيادتها في مناطق أخرى إلى تدمير الغطاء النباتي وجرف التربة وارتفاع مناسيب الأنهار، فالماء هو أكثر معاملات التغيرات المناخية وضوحًا وتأثيرًا، ولسوف يزداد تأثيره في المستقبل، لذلك يجب الانتباه للتعامل مع هذه المسألة.
ونلاحظ في الآونة الأخيرة ازدياد الوعي البشري بأهمية المياه وأهمية الحفاظ عليها، وذلك بسبب الوعي حول الملياري فرد الذين لا يستطيعون الوصول إلى المياه العذبة والصالحة للشرب، فيعمل الكثير من الباحثين في العالم على ابتكارات وبحوث لإيجاد الطرق المُثلى للحفاظ على المياه مثل مركز العلوم البيئية في جامعة قطر وغيرها من الجهات المهتمة.
والله ولي التوفيق.
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر