الإقرار بالعرفان والامتنان هو طريقنا نحو الاكتمال الذاتي، لأنّنا عندما نعترف بجهود الآخرين ونشيد بها، نتعاطى روحيًا ونفسيًا مع إيجابية العطاء عند الآخر، ويتجلّى دور الامتنان في كونه يُعطينا شحنات معنوية إضافية تدفعنا للمزيد من العمل والاجتهاد، وهو سلوكٌ سامٍ لا ينتقص من مكانة الشخص وشأنه، بل يُعبِّر عن التوازن في شخصيته، وتقديره العالي لمجهودات الآخرين، وتثمين وتشجيع الطاقات والإنجازات.
وتؤكد دراسات علم النفس الإيجابي، أن ثقافة الامتنان من الأشياء المفيدة للحفاظ على سعادتنا وصحتنا النفسية، فالامتنان هو تركيز انتباهنا على الأشياء والأشخاص، وكل ما له قيمة في حياتنا، وهي مهارة ذهنية تتطلب استدعاء حالة الانبهار بعجائب العالم من حولنا، حيث يرتبط الامتنان بوعينا من خلال أبعاده الروحية الثلاثة: الجسد، الروح، والعقل، ويمكن تفسير ذلك على أنه عامل أساسي في الحياة، يمنحنا الثقة ومستويات عالية من السعادة.
وبحسب الدراسات والأبحاث الاجتماعية، فإن الأشخاص الذين يعربون عن امتنانهم لكل ما يفعلونه في حياتهم اليومية، يشعرون بالراحة ويواجهون تحديات الحياة بشكل أفضل، فالامتنان ينسج الروابط القوية في المجتمع، ويؤثر على سلوكياتنا وقراراتنا لتحسين مواقفنا مع الناس ومن نحبهم، وكذلك البيئة المحيطة بنا.
وفي اعتقادي أن التعبير عن امتناننا للآخرين يؤثر على تفكيرنا بشأن هويتنا، واحترامنا لذاتنا وطريقة إدراكنا لأنفسنا وللآخرين، ماذا سنخسر بتوجيه الشكر لشخص ساعدنا؟ لا يتطلب ذلك أي جهد، بل مجرد بادرة تجسد الامتنان من خلال زيارة أو مكالمة هاتفية للتعبير عن التقدير لما بذله الآخرون من مجهودات لنا، وذلك يسمح لنا بالتفكير بجدية، فيما يسعد أولئك الذين يهموننا سواء إن كانوا داخل الأسرة أو في العمل أو في المجتمع.
ونلاحظ أن أكبر أسباب النزاع بين الزوجين في مجتمعاتنا يرجع إلى فُقدان الامتنان؛ فتجدهما غير راضيين، يُكثِر كل منهما التعبير عن سخطه من الآخر، وعدم رضاه عنه، واتهامه بتقصيره نحوه، على الرغم من أن الاحترام والتقدير هو وقود نجاح العلاقة الزوجية، كما يشير خبراء العلاقات الأسرية، فتقديم الأزواج الشكر والثناء كل منهما للآخر يكفل علاقة زوجية صحية وحياة أسرية تقوم على الود والمحبة والاحترام.
ولا شك أن كلمة الشكر والعرفان تعزز الشعور بالمحبة والألفة والتقدير بين الزوجين، فقد يكون الشكر بالتعبير اللفظي كأن يقول للآخر «شكرًا» أو بتعبير آخر والنظرة الحانية وتقديم هدية وإن كانت رمزية أو المغادرة لتقديم خدمة للآخر وغيرها من الأشكال التي من شأنها أن تحقق الرابطة بين الزوجين؛ وإن كان البعض للأسف لا يعير مثل هذه الأمور اهتمامًا ظنًا منه أن الطرف الآخر يقوم بواجباته ويؤدي أمورًا مفروضة عليه، وهذا مفهوم خطأ، فالإنسان يحب المكافأة والإعجاب والثناء، وهذه طبيعة النفس البشرية.. والله ولي التوفيق.
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر