تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

أدين بالفضل لكل من علمني حرفًا طوال مسيرتي التعليمية، فهناك أشخاص من الصعب على الإنسان أن ينساهم، بالرغم من تباعد الأيام لأنهم حفروا في ذاكرته معاني ليس من السهل تجاوزها، ومن هؤلاء «المعلم والمُربي» الذي سيظل بلا شك رمزًا من رموز البذل والعطاء في حياتنا، وستظل مكانته الكبيرة محفوظة في ذاكرتنا وفي نفوسنا، فالمعلمون حتى عندما يفارقوننا لا تموت ذكراهم في دواخلنا، نظرًا للدور المهم الذي يلعبونه في تربية وتنشئة طلابهم وطالباتهم، وذلك من خلال غرس المفاهيم والقيم السامية في نفوسهم.

ربما لا نستطيع أن نوفي المعلم حقه ببعض السطور، لكن أراني في هذه السانحة أقدم النصح لأبنائي وبناتي ألا ينسوا دور مُعلميهم ومعلماتهم، وأن يشكروهم ويقدروهم، ويعاملوهم كآبائهم وأمهاتهم، وأن يبادلوهم ودًا بود، ووفاءً بوفاءٍ؛ لأنهم اليوم وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية هم أهلٌ لتقديرهم واحترامِهم وثنائِهم أكثر من أي وقت مضى، فقد أثبتوا أنهم قادة وقدوة في وقت الجائحة وانطلقوا نحو أداء مهامهم في نشر العلم والمعرفة غير مُبالين بمخاطر الوباء، حاملين على عواتقهم مسؤولية سامية آمنوا بأهميتها، وهم ينتقلون من بيئة التعلم الصفيّة التي تعودوا عليها إلى بيئة التعلم عن بُعد بمقاييس مغايرة ومعايير مختلفة.

وقفة قصيرة مع النفس – عزيزي القارئ – نتصور من خلالها دور المعلم في المجتمع، تجعلنا ندرك ضخامة الدور الذي يقوم به وعظم المسؤولية التي تقع على كاهله، فما هذه الألوف المؤلفة من أولادنا وفلذات أكبادنا إلا غراس تعهدها المعلم بماء علمه، فأثمرت وفاضت علمًا ومعرفة وفضلًا، لذا أولى الناس بهذا التبجيل والإجلال هو المُعلم لأن اسمه مُشتق من العلم ومنتزع منه، فالمعلم يفيض ببحر علمه الغزير على الأرض القاحلة فتغدو خضراء يانعة، فهو النور الذي يضيء حياة الناس وهو عدو الجهل والقاضي عليه، وهو الذي يُنمّي العقل ويهذب الأخلاق، لذا وجب تكريمه واحترامه وتبجيله لأنه يحمل أسمى رسالة وهي رسالة العلم والتعليم التي حملها خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

ببساطة، المعلم المُربي، اليوم يحتاج من مجتمعه تقديرًا، ومن وزارته دعمًا وتأييدًا، ومن طلابه ثقةً وتبجيلًا، ومن مدرسته أمانًا وتحفيزًا، ومن زملائه تفاعلًا وتسديدًا، ومن مجلس الشورى تفهمًا وتشريعًا، فالمعلم للشعوب، حياتها ودليلها وعطاؤها المُتفاني، تفيض ذاكرتنا الثقافية بالعديد من النصوص الثرية عن مكانة المعلم وفضله ويستوقف المتأمل لتراثنا شواهد لا حصر لها عن تقديره، وهذا التقدير متجذر في تركيبة ثقافتنا وملمح بارز في أدبياتنا نتمنى أن ينعكس في سلوكيات مجتمعاتنا، بحيث لا نرى أي إساءة لمجتمع المعلمين الفاضل، وبالتالي تنتفي الحاجة إلى المطالبة بسنّ قوانين حماية المعلم، بالإضافة إلى تذليل كافة العقبات المادية والمعنوية التي قد يواجهها المعلم خلال مسيرته التعليمية، والاستماع جيدًا لطلباته ومطالباته والسعي لتوفير احتياجاته لإنجاح مهمته وإيصال رسالته، لينعم بحياة عملية يأملها.

وأفضل هدية نقدمها للمعلمين والمعلمات في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العالم بسبب جائحة كورونا، هي فتح الباب لتكريم المُتميزين والمتميزات منهم ماديًا ومعنويًا، وتحقيق بيئة عمل مُحفزة بسنّ التشريعات، وتطوير سلم رواتب مناسب لجهودهم يدفعهم للإبداع، ليس مجرد تلقين أبنائنا المعلومة، فتلك المهمة باتت عملية سهلة يمكن أن يقوم بها جهاز إلكتروني، أما بناء الفكر والعقول وأساليب التفكير والقيم والانتماء الوطني والامتثال للحقوق وللواجبات، واحترام الآخرين وتقدير حريتهم الشخصية، فهي من أبرز مسؤوليات معلم اليوم.

والله ولي التوفيق

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر