تزدهر حياة الإنسان حينما يعم السلام النفسي أجواءها، فالرضا والقناعة والإيمان أهم سبل الراحة النفسية، لكن أغلب البشر لا يدركون، لهذا يفتقد الكثير من الناس شعور الطمأنينة، على الرغم من حاجتنا جميعًا إليه، فهو غاية حياتية لا غنى عنها لكي يتوازن الإنسان وينسجم مع نفسه ومع غيره، فالشعور بالسكينة وراحة البال من أعلى المراتب الروحية التي تجعل الإنسان متصالحًا مع نفسه ومع المحيطين من حوله.
لكن السؤال لماذا فُقدت السكينة من حياتنا؟ هل من أسباب فقدان الناس لـ (السكينة) في هذا الزمان، أنهم تركوا المواضع التي جعل الله فيها السكينة، وهي ثلاثة مواضع: في البيت، وفي نوم الليل، وبين الزوجين، فكثرة خروج الناس من بيوتهم لغير حاجة حرمهم سكينة البيوت، (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)، وكثرة سهرهم بالليل حرمهم سكينة الليل (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ)، وعدم العشرة بالمعروف، فضلًا على بذل المحبة حرمهم سكينة الزواج (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
وهذا كله من السكينة القدرية المبذولة للمؤمن والكافر، البر والفاجر، أما السكينة الشرعية فشيء آخر، جزاءً من ربك عطاءً حسابًا لمن عمّر بيته بالإيمان وأقام ليله في طاعة الرحمن (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليمًا حكيمًا)، (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا).
وتشير المعطيات إلى أن السلام النفسي يمنح الإنسان القوة اللازمة من أجل تخطي الصعاب التي تواجهه في حياته سواء في العمل أو المنزل أو حتى في تعامله مع الآخرين، فالإحساس بالرضا من أجمل وأحسن الطرق التي تؤدي للسلام النفسي، فمن خلال الرضا والقناعة تستريح النفس ويرتاح البال ويهدأ القلب.
كما أن السلام النفسي هو قمة الهرم الروحي للعيش بسعادة وهناء وراحة بال، ويأتي بعد تأسيس المبادئ التي تحقق عملية شحن القلوب، وهذه التعبئة الذاتية لا تأتي دفعة واحدة وإنما من خلال تدريب نفسي طويل ومستمر على الشعور بالثقة اعتمادًا على أساس الكفاءة سواءً كانت كفاءة فنية في المعرفة والخبرة أو كانت كفاءة المبادئ واختبار المسلمات وأيضًا التدريب على التعامل مع الغير وفق أساس الكسب المشترك.
وهو أكثر من مجرد غياب الحرب النفسية والصراع مع الضمير بل هو السلام الذي يتعلق بعمق حياتنا الذاتية من الداخل، إنها حياة المتعة في خضم هذه الحياة وليس الانسحاب منها، باعتبار أن السلام النفسي هو إحساس الإنسان بأن الآخرين جزءٌ منه، يشعر بهم، يفرح لفرحهم، يحب لنفسه ما يحب لهم، ويساعدهم ليكون لهم مثل ما لديه، ويسعى ليكون له مثل ما لديهم، وألا يشعر بالحقد والأنانية، أو أن يخاف الفشل بحجة أن الآخرين سيضحكون عليه، أو أن يرغب في التفوق لمجرد أن يظهر نفسه، اعترافه بالخطأ إذا أخطأ يومًا، معرفته نقاط ضعفه وقوته.
وفي اعتقادي أن الأسس الأربعة لقيام السلام النفسي هي الحياة والحب والتعلم والذكرى الطيبة، كل ذلك مع استخدام الملكات الأساسية وهي إدراك الذات والوعي والإرادة المستقلة، فالعطاء الوجداني مع الناس يمثل دفعة عاطفية للذات، والعطاء الاجتماعي في أعمال الخير يطفئ اللهيب النابع عن الضغوط الحياتية والصعوبات المادية خاصة في عصرنا الحاضر.
ولا شك أن المحبة هي أساس السلام النفسي وعندما يعم السلام النفسي تزدهر جميع أجواء الإنسان سواء في العمل أو في المنزل ويفوح عبيرها ليملأ كل الأرجاء إنتاجًا، فالإنسان الذي تمتلئ جوانبه بالمحبة والتسامح يتحرر من الخوف على لقمة العيش فلا ينافق ولا يفتك بالآخرين عن طريق الوشاية والخداع والكذب، والحب بهذا المفهوم هو أن يعمل الإنسان ويدفع الآخرين للعمل، أن يكون صادقًا ويفجر الصدق في الآخرين، أن يكون قادرًا على أن يساند الآخرين ليكونوا أقوياء وقادرين على العطاء والتسامح والتعاون والمشاركة والبناء والارتقاء المادي والنفسي، والمودة والمحبة والتسامح، مواقف إيجابية عندما تحتضن متاعب الآخرين ومشاكلهم.