تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

أولت دولة قطر اهتمامًا بالغًا للرياضة، باستضافتها الكثير من المناسبات والأحداث العالمية، إيمانًا منها بأهمية الرياضة في تعزيز التنمية والسلام، ونشر قيم التسامح والاحترام، فقد تحوّلت كرة القدم من مجرد لعبة إلى ظاهرة سياسية واجتماعية عالمية، شهدنا مؤخرًا تعاظم دورها وتأثيرها وسحرها على الشعوب، حتى أصبحت واحدة من أهم الأوراق التي تعتمد عليها الدول في إظهار القوة الناعمة، باعتبار أنها تفعل في الشعوب أكثر مما تفعله أي رياضة أخرى، وهي منذ فجر تاريخها كانت وما زالت مرتبطة بالكبرياء، فكبرياء كل شعب يعلو بالانتصار، وقديمًا قال خبراء الاجتماع إن كرة القدم تعزّز الكبرياء الوطني.

ولا يخفَى على أحد استثمار قطر في الرياضة؛ من خلال رعايتها المنافسات والأندية الرياضية المحلية والدولية، إذ يأتي «مونديال قطر 2022»، على رأس استثمارات الدوحة في مجال الرياضة؛ فقد هيأت الدولة المنشآت المناسبة لاستضافة الحدث الأكبر على مستوى العالم، من بنية تحتية وملاعب على طراز عالمي وبأحدث التقنيات؛ لكي تُثبت للعالم أن «الأسرة الكروية الدولية» لم تُخطئ على الإطلاق حين منحتها شرف استضافة النهائيات العالمية، والتي بفضلها حصدت «القوة الناعمة القطرية» ولا تزال تحصد ثمارها على نطاق واسع؛ إذ باتت الدوحة وجهة مُفضّلة للرياضيين، باستضافتها العديد من المُناسبات الرياضية في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها بطولة «مونديال العرب» المقامة حاليًا على ملاعب المونديال، بمشاركة 16 منتخبًا عربيًا منها 10 تتبع للقارة الآسيوية و6 منتخبات للقارة الإفريقية.

وترتبط الدبلوماسية الرياضية بالدبلوماسية الثقافية، ويمكن أن تؤدي إلى تقوية المبادئ السياسية وتكامل السياسات، حيث استخدمت الدول الأوروبية الدبلوماسية الرياضية لتحقيق أهداف استراتيجية من أهمها زيادة الارتباط الثقافي بين شعوب القارة الأوروبية، وتقوية الاتحاد الأوروبي، وتحقيق التكامل الاقتصادي وزيادة العلاقات التجارية، الأمر الذي يفتح المجال لتطوير نظرتنا للرياضة، فهي ليست مجرد مباريات رياضية تجمع بين الفرق والمنتخبات الأخرى، لكنها مناسبات يتم فيها التعبير عن الشعوب ومواقفها من القضايا، والتعبير عن الرأي العام، والتحذير من خطورة الصور النمطية على العلاقات بين الشعوب.

وقد قرأت في مقال للكاتب د. سليمان صالح، أن وزارة الخارجية الأمريكية أنشأت قسمًا للدبلوماسية الرياضية عقب أحداث 11 سبتمبر بهدف الوصول إلى الشباب في الشرق الأوسط عن طريق الرياضة والتأثير عليهم، وقالت الدبلوماسية الأمريكية إن التبادل الرياضي بين الشعوب يفتح الأبواب لمشاركة المجتمعات، وبناء العلاقات بينها وإن الرياضة وسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية مثل تمكين الشباب والمساواة بين الجنسين وحل الصراعات.

وهناك الكثير من البرامج التي يقدمها قسم الدبلوماسية الرياضية في وزارة الخارجية الأمريكية، مثل برنامج المبعوثين الرياضيين الذي يقوم على إرسال مدربين رياضيين للالتقاء بالشباب، وشرح أهمية الرياضة للصحة، وبرنامج الزيارات الرياضية الذي يستضيف الرياضيين والمدربين والإداريين في الولايات المتحدة، وهذا يعني أن الدبلوماسية الرياضية تستهدف التأثير على الرياضيين، واستخدامهم للتأثير على الجمهور الذي يحبهم ويشجعهم، وهذا يفتح المجال لتطوير الدبلوماسية الرياضية لتصبح أداة لبناء القوة الناعمة للدول، وتحقيق أهداف سياستها الخارجية واستخدام الرياضة للتغلب على الخلافات والعداء والصراعات بين الشعوب.

وأخيرًا.. أثبتت التجارب والمعطيات أن كرة القدم، ليست مجرد مستديرة مصنوعة من الجلد، يتناوب اللاعبون على ركلها، ولكنها طاقة هائلة تضخ الحقيقة في شرايين الأمل، وشحنة نفسية ملهمة تصنع ثقافة الانتصار، فهذه اللعبة الآن، باتت منظومة صناعية متكاملة لها أدواتها وآلياتها ومقوّماتها وإنجازاتها، عالم المستديرة، مدرسة مكتملة الأركان، دروس وعبر، فوز وخسارة، منافسة وتفوّق، تشبث بالأمل وتفاؤل رغم الأزمات والتحديّات، تضحيات وإنجازات.

والله ولي التوفيق،،،

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر