تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

قال أحد الحكماء: «الحياة بين قوسين .. القوس الأول الولادة، والقوس الثاني الموت.. فاكتب بينهما جملة مفيدة»، وكما هو واضح من خلال هذه الحكمة أن كاتبها يطلب من كل إنسان، أن يترك أثرًا طيبًا في حياته قبل أن يرحل عنها، وأن يعيش للحياة، وأن يُعطي للحياة أكثر مما يأخذ منها.

لهذا يجب علينا أن نعيش كل يوم كأنه آخر يوم، نعطي كل ما نملك، نبذل من الطاقة أقصاها، ومن العمل أفضله، ومن الإبداع أروعه، نكون مُلهمين فرحين مُتصدّقين مُتفائلين، لا ندع العمر يمضي من بين أيدينا، دون أن نحقق كل ما كنا نحلم به، مُتأثرين بعبارة سيدنا علي بن أبي طالب: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا».

هناك أناسٌ كلما ضاقت عليهم رحاب الدنيا قرعوا أبواب أحلامهم، التي تُخرِج إليهم في كل مرة صورةً جديدةً للحياة تجدِّد آمالهم وتعضّد همتهم فتتجدّد خلايا الطاقة والانطلاق لأرواحهم، وكما يقول الروائي البرازيلي باولو كويلو: «لا يستطيع الإنسانُ مُطلقًا أنْ يتوقف عن الحلم.. كونه هو غذاءُ الروح مثلما الأطعمة غذاء الجسم، وبالرغم من أن هناك بعض الأحلام التي تخيب أحيانًا، والرغبات التي تحبط مرات ومرات، لكن يجب الاستمرار في الحلم وإلّا ماتت الروح فينا.

بعض الناس يُضيّقون ساحة حلمهم مُتأثرين بواقعهم الحالي فيظنون أنَّ الحياة مُنحصرةٌ فيما هم عليه الآن، ولا يعرفون أنَّ ما بين طَرفة عين وانتباهتها يُغيّر الله من حال إلى حال، فالحلم يمدنا بطاقة تساعدنا على الاستمرار في الحياة، ويذكي رغبتنا في البحث الدائم عن الأجمل والأفضل، والإصرار على حقنا الطبيعي في أن نكون كما نريد ونحلم.

من الجميل أن نحلم، لكن الأجمل أن تتراوح حياتنا بين عالمين مُختلفين: عالم الأحلام وعالم الواقع، حتى نشعر بلذة كل منهما، أما أن نكون أسرى أحلامنا، أو شديدي التمسك بواقعنا، فهذا سيُفقدنا متعة الاثنين معًا، لأن «الضد يظهر حسنه الضد»، كما قال الشاعر قديمًا، وبالطبع لا يمكننا أن نقسم الحياة قسمين: قسم للواقع وقسم للحلم، لكن الذي نعتقده هو أن لكل واحد منا في حياته نصيبًا من الاثنين، قلّ أو كثر.

وفي خضم متاعب الحياة وتقلباتها نفقد الكثير من أحلامنا البسيطة ونسمح لها أن تتلاشى ويطويها النسيان، مُنشغلين بصراعاتنا المُستمرة مع الواقع، نكتب هذه السطور اليوم لتذكّرنا بهذه الأحلام، وتوقظها داخلنا من جديد، فإذا كنا قد تخلينا في مُنتصف الطريق عن أحلامنا الصغيرة، يجب علينا أن ننظر إلى ما بين القوسين «حتى نعرف ماذا حققنا في حياتنا قبل أن يغلق القوس بوفاتنا».

وفي اعتقادي لا يزال بإمكاننا إحياء آمالنا وطموحاتنا؛ واستعادة الأحلام التي فقدناها عبر السنين أثناء مُواجهاتنا العنيفة للواقع وصراعنا الشرس معه، في وقت أصبح فيه العالم عبارة عن شاشة إلكترونية عملاقة، من خلالها، نستطيع التواصل مع الآخرين ونُراقب ما يجري حولنا، رغم أن هذه الشاشة تحجب ملامحنا وضحكاتنا ودموعنا أيضًا. لذلك يجب علينا أن نبتعد عن كل التعاريف والقوالب الجاهزة الموضوعة لكُسَلاء الفكر، ونُعيد صياغة تصوُّرنا عن الأشياء ولقيمتها وأهميتها ودورها، وأيضًا تحديد المعنى الحقيقي للحياة، والمُتعة والسعادة، والألم والحزن، ولوجودنا في هذا الكون، ففي النهاية سنجد أنفسنا أزلنا العديد من النظارات السميكة التي تعيق رؤيتنا للجمال المُحيط بنا قبل أن يُغلق القوس وتنتهي الحكاية.

والله ولي التوفيق ،،

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر