للتكنولوجيا أثرٌ كبيرٌ على الحياة اليومية والشخصية لكل منا، لدرجة أنها أصبحت تدخل في صلب علاقاتنا الاجتماعية والأسرية؛ وبات التواصل بين أفراد الأسرة شبه معدوم، فكل منهم ينزوي في غرفته ويتواصل مع الآخرين من خلال الجهاز الإلكتروني الذي يحمله، الأمر الذي يعزز من الفرقة بين أفراد الأسرة الواحدة.
ونلاحظ أن التكنولوجيا الحديثة أصبحت تؤثر بشكل سلبي على العلاقة بين الأهل والأبناء مباشرة، حيث إن العديد منهم يخسر الصلة الرابطة بينهم، نتيجة الانشغال الدائم بالأجهزة الإلكترونية، باعتبار أن الأهل يُلهون الأولاد بها، فيبتعدون عنهم ولا يمضون الأوقات معهم، في حين أن الأبناء يجدون في هذه الأجهزة الفرصة للانفراد، فتتكوّن لديهم منذ الصغر الشخصية الانعزالية، فلا يجيدون التعامل مع الآخرين.
وفي اعتقادي أن التحولات التكنولوجية الحديثة، أفرزت تفاعلات جديدة للعلاقات الأسرية وأدت إلى تعزيز العُزلة والتنافر بين أفرادها، وتلاشي قيم التواصل الأسري، واستبدل الأبناء الإنترنت بآبائهم كمصدر للمعلومات، وفقدوا الترابط الأسري والتصقوا بالحوار مع الغرباء لدرجة الشعور بالغربة على مستوى الأسرة الواحدة، بالرغم من أنّ السبب الحقيقي وراء انتشار وسائل التكنولوجيا هو جعل التواصل أمرًا أبسط، ولكن للأسف فمعظم مستخدمي التقنية يعتبر رأيهم مخالفًا بعض الشيء، لذلك فقد ساهمت التقنية في عزلنا عن بعضنا اجتماعيًا، فالتكنولوجيا تحيط بنا من كل جانب ولم يبق لنا مكان للتواصل الحقيقي.
للأسف لم يتوقف خطر التكنولوجيا عند ذلك الحد فاليوم نحن نعاني بعد أن تركنا أطفالنا فريسة سهلة للألعاب الإلكترونية التي تخطف عقول أبنائنا، وتساعد على التنمر الذي انتشر في الآونة الأخيرة بكثرة بين الأطفال، إذ تؤكد الكثير من الدراسات أن إصابة الأطفال في السابعة من العمر بمشكلات في الانتباه والتركيز تزداد بزيادة أوقات مشاهدتهم للعب الإلكترونية، كما أنها تؤثر سلبًا على صحة الطفل؛ فتُضعف من بصره بشكل كبير، إلى جانب أن تلك الألعاب بما تحويه من مشاهد عنف وقتل ودماء تصنع طفلًا عنيفًا؛ يفتقد الرحمة والعطف والتسامح، ورغم كل ذلك ما زلنا نترك أطفالنا بالساعات أمام هذه الألعاب.
وفي رأيي أن التنشئة الإلكترونية هي العلاج الوحيد والفعال لحماية الأطفال من مخاطر التكنولوجيا الحديثة، مع الوضع في الاعتبار أن التنشئة السليمة للأبناء إلكترونيًا تختلف من مرحلة عمرية إلى أخرى، ففي حالة الفئات العمرية التي تتراوح ما بين (3 إلى 5) أعوام لا بد أن يكون هناك توجيه كلي من جانب الأسرة على الألعاب والتطبيقات، وهو أمر يختلف بالنسبة للأطفال في سن العاشرة الذين يكونون في حاجة للمتابعة والتوجيه من دون أن يكون هناك تدخل مباشر من الأسرة في المحتويات التي يتعاملون معها.
ارتباط الطفل بوسائل التكنولوجيا قبل دخول المدرسة يرجع إلى الأسرة باعتبارها المؤثر الأول في سلوكياته، كما أن تدخل أولياء الأمور بالمنع المباشر والكلي للوسائل التكنولوجية يكون دافعًا للإدمان والتعلق بها بشكل أكبر في مراحل عمرية لاحقة، وبحسب إحدى الدراسات العلمية الحديثة أن الأطفال الذين يقضون خمس ساعات أو أكثر على الإنترنت هم معرضون بنسبة 71 بالمئة للإصابة بالاكتئاب أو التفكير الانتحاري، وأن عوامل خطر الانتحار بين المراهقين ترتفع بشكل ملحوظ عند قضاء ساعتين أو أكثر على الإنترنت.
ختامًا.. أعباء التربية السليمة على كاهل أولياء الأمور زادت بعدما بات الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي نمطًا يغيّر بقوة في سلوكيات الأطفال ونشأتهم، وأضحت الأسر مُجبرة على التطوير من سبل النشأة السليمة لمواكبة التقدم التكنولوجي العملاق لحماية أطفالها.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر