يحتاج الإنسان في أي مجتمع إلى الشعور بالأمان، من أجل أن يمارس حياته بشكل طبيعي، فلا يمكن أن تسير الحياة إلا إذا شعر الشخص بأنه آمنٌ على نفسِه ومجتمعه، من تلك المهددات التي يتعرض لها، سواء كانت في الجوانب المادية أو الفكرية أو الأخلاقية.
وفي اعتقادي أن حماية العقول من الغزو الفكري، والانحراف الثقافي، والتطرف الديني، من الضروريات الأساسية لتعزيز مفهوم الأمن الفكري الذي يقوم على تبني الإنسان لمجموعة من الأفكار والمفاهيم السليمة المقبولة اجتماعيا والتي لا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية أو قيم وأعراف المجتمع، فالأمن الفكري ضرورة، لا تتحقق أهداف التعليم في أي بلد من بلدان العالم إلا به، فهو إن اختلفت عبارات الباحثين في تحديده وضبط مصطلحه يبقى في معناه: أن يعيش الناس في أوطانهم ومجتمعاتهم آمنين مطمئنين على مكونات أصالتهم وثقافتهم ومنظومتهم الفكرية مع سلامة فكر الأفراد وعقولهم وفهمهم للانحراف الذي يشكل تهديدًا للأمن الوطني أو أحد مقوماته الفكرية والعقدية والثقافية والأخلاقية والأمنية.
ولحماية المجتمع من الأفكار المنحرفة لابد أن تكون هناك محاضن تربوية تعزز للانتماء الوطني، وتوجه الطاقات نحو البناء والتعلم والاستفادة من التجارب والخبرات المتراكمة التي تتوافق مع توجهاتنا الفكرية بما يسهم في تقدم الوطن وازدهاره، ومن أهم المحاضن التي تقوم بتعزيز الأمن الفكري: البيت والمسجد، والمدرسة، والأندية الثقافية والرياضية، فهذه المؤسسات مهمة وضرورية في تقديم الإرشاد والتوجيه النفسي والسلوكي والاجتماعي والتربوي والتعليمي، والنشاط الرياضي والثقافي لأفراد المجتمع، كما تلعب هذه المؤسسات دورًا مهمًا في ملء أوقات الفراغ عند الشباب وشغلها بما يفيد من أنشطة نافعة للفرد والمجتمع، وهذا لا يتأتى إلا إذا كان لهذه المؤسسات رؤية ورسالة واضحة في الحفاظ على أفكار وتقاليد المجتمع.
كما تلعب الأسرة هي الأخرى، دورًا مهمًا في تحصين ومراقبة ووقاية الأبناء من أي انحراف فكري، خاصة في ظل الغزو الإعلامي الجديد المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، فليست مهمة الأسرة توفير الضروريات لأفرادها فقط، بل المشاركة في تذليل ما يعترض الأبناء من مشكلات ومحاولة الإسهام في حلها؛ فيكون بذلك دورها استباقيًا ووقائيًا.
وأيضًا على الأسرة المشاركة مع مؤسسات المجتمع الأخرى «المدرسة والمسجد والمؤسسات الإعلامية والأمنية والدعوية» في تكوين المفاهيم الصحيحة وإيجاد علاقة قوية ومتينة بين الأسرة وهذه المؤسسات لتعزيز الأمن الفكري لدى هؤلاء الناشئة، مثل حثهم على وجوب التمسك بتعاليم الدين دون غلو أو تفريط، والعمل على غرس حب الوطن والانتماء إليه ووجوب الحفاظ على مكتسباته.
ومما لا شك فيه أن الأسرة مطالبة ببناء سياج فكري آمن لأبنائها، حتى يكون درعًا واقيًا لهم من اختطاف عقولهم، وتوصيتهم على حسن اختيار الرفقة الصالحة والابتعاد عن رفقاء السوء، فالتهاون في متابعة الأبناء قد يؤدي إلى كثير من السلوكيات والأمراض مثل التوحّد والرهاب الاجتماعي، والتسرّب من الدراسة والتشرّد وعدم الشعور بالمسؤولية واللامبالاة والوقوع في براثن المخدرات وشبكات الإرهاب.
والله ولي التوفيق،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر