لا شكَ أن تحصين الأسرة ضد الأزمات يتطلب وضع برامج ومبادرات للتوعية والتثقيف والدعم، وهذا ما تمخضتْ عنه «فعاليات مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة» الذي نظمهُ معهدُ الدوحة الدولي للأسرة عضو مؤسسة قطر، الأسبوع الماضي تحت عنوان: «الأسرة والاتجاهات الكبرى المُعاصرة» ، بالإعلان عن «نداء الدوحة للعمل» الذي تضمن سلسلة من التوصيات الرامية إلى التصدي للتحديات الكبرى التي تواجه الأسر حول العالم.
وفي اعتقادي أن من أبرز التحديات التي تواجه الأسرة اليومَ تتمثلُ في المحافظة على اللغة العربية للأطفال، فمن المُؤسف أن يتعلمَ النشءُ لغة أجنبية قبل أن يتعلمَ لغتَه العربية السليمة وهي لغة القرآن، بسبب حرص كثير من أولياء الأمور في وقتنا الحالي على تعليم أبنائهم بمدارس إنترناشونال، مع العلم بأن تعزيز دور اللغة العربية لدى الأطفال يبدأ من المدرسة، ثم بعد ذلك يأتي دور المجتمع في تلقين وتعليم آدابها ومعانيها لدى النشء، فالحديث بها مع العائلة والأصدقاء في الحياة العامة يُعلم الطفل مُخرجات اللغة السليمة، والحديثُ بالعربية من أقوى وسائل تمكينها في المُجتمع والحياة العملية، حيث تنبعُ أهميةُ «العربية» في أنها من أقوى الروابط والصلات بين المُسلمين، فاللغة من أهم مقوّمات الوَحدة بين المجتمعات.
ومن التحديات التي تواجه الأسرة كذلك طول الدوام الدراسي، خاصةً أن العبرة في جودة التعليم ليست في عدد ساعات التمدرس، وطول اليوم والعام الدراسي، وإنما في جودة ما نقدمه خلال ساعات اليوم الدراسي بما ينفع الطلابَ، بعيدًا عن الحشو والإطالة تجنبًا لاستنزاف طاقة الطلاب بما لا طائل منه، ويتبخر فور أداء الاختبارات، مع العلم بأن تقليص الدوام سيساعدُ الطلاب على استيعاب كل ما يدرس لهم، كما سيتيح لهم وقتًا كافيًا لأداء واجباتهم والقيام ببعض الأنشطة البدنية المُهمة لهم كأطفال، باعتبار أن طول ساعات الدوام الدراسي لا يؤثر على الطلاب فحسب، وإنما يقضي على أمل الأسرة في تنفيذ برامجها العائلية التي خططت لها، لذلك نطالب الجهات المعنية بالنظر في هذا الأمر على وجه السرعة، لأن طول اليوم الدراسي بات أمرًا يؤرق الأسر ويضغط عليها بشكل مباشر، كون أولياء الأمور لا تتاح لهم فرصة الجلوس مع أبنائهم على طاولة الغداء كما كانت تفعل الأسر في السابق عندما يعود الطلاب من مدارسهم.
وختامًا.. نلاحظ أن «نداء الدوحة للعمل» تضمن توصيات مُتعلقة بتعزيز البحث والمناهج المبنية على الأدلة لتوجيه السياسات الأسرية منها: إعطاء الأولوية لرفاه الأطفال من خلال وضع سياسات تعطي الأولوية لمصلحتهم، وإشراك الأسر والشباب في اتخاذ القرارات السياسية وتصميم البرامج وتنفيذها، بالإضافة إلى إنشاء المؤسسات الأسرية المعنية بالأسرة، وتعزيز عملها لتطوير السياسات الأسرية وتنفيذها، فمن المُقرر أن تتم مشاركة هذا النداء الذي يحتوي على سلسلة من التوصيات مع جميع المُشاركين في مواقع صناعة القرار، ومُنظمات الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز الفكر، والجامعات، والجهات المعنية.
والله ولي التوفيق،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا
والبيئة بجامعة قطر